قصة إيران مواس.. كيف سيطر المرتزقة الإسرائيليون على السلطة الكاميرونية؟
بعد يومين من عملية طوفان الأقصى، قال رئيس الكاميرون بول بيا، صاحب أطول فترة حكم في أفريقيا (42 عامًا): «أعربُ عن خالص التعازي الصادقة لإسرائيل التي وقعت ضحية جماعة حماس الفلسطينية الإسلامية المسلحة.. لقد شعرت بعاطفة حقيقية تجاه الخسائر البشرية الفادحة التي سببها هذا الهجوم».
ورغم المجازر التي وقعت في غزة لاحقا، لم تصدر عن الرئيس الكاميروني ولو إشارة إلى آلاف الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص جيش الاحتلال.
وهنا يأتي السؤال، لماذا يدعم هذا الرجل الكيان الصهيوني؟ ربما في التقرير التالي بعض الإجابات.
المرتزقة الإسرائيليون في قلب السلطة الكاميرونية
نشر موقع متخصص في الشؤون الأفريقية، اليوم الخميس، تقريرا تحت عنوان «المرتزقة الإسرائيليون في قلب السلطة الكاميرونية»، يتناول فيه سيطرة مرتزقة صهاينة على وحدة النخبة في الكاميرون، بأوامر من الرئيس بول بيا.
وتحدث التقرير الذي نشره موقع «قراءات أفريقية»، عن قصة الإسرائيلي إيران مواس، الذي منح نفسه وعقيلته وأولاده إجازة مستحقة في جزر البهاما في نوفمبر 2018م تحت أشعة الشمس الكاريبية بجانب حمام السباحة اللامتناهي في الأفق، وبسعر 20 ألف دولار (16700 يورو) في اليوم، والفيلا التي يستأجرها على البحر ليست رخيصة، لكن السعر هو أقل ما يقلقه.
محفظة مواس العقارية
وذكر التقرير إن محفظة مواس العقارية الشخصية تضم شقة في نيويورك تبلغ قيمتها أكثر من 20 مليون دولار (16، 7 مليون يورو)، ثمنها لم يدفع منه أيّ شيء من ماله الشخصي، وفيلا في لوس أنجلوس تُقدر قيمتها بأكثر من 12 مليون دولار (10 ملايين يورو).
وأشار إلى أن «مكان إقامته المعتاد هو عقار ضخم في ياوندي، عاصمة الكاميرون، حيث يقال: إنه يسافر في سيارة مُصفَّحة، برفقة حرّاس شخصيين».
وأضاف التقرير، «يدين إيران مواس بأسلوب الحياة المعنية ليس فقط إلى الوظيفة التي شغَلها لفترة طويلة داخل كتيبة التدخل السريع (BIR)، وهي وحدة النخبة في الجيش الكاميروني، ولكن أيضًا إلى الأعمال التي يقوم بها مع الحكومة المحلية. يتم وضع BIR تحت الأوامر المباشرة لبول بيا، الرئيس الذي تولى السلطة لعقود من الزمن».
كتيبة التدخل السريع (BIR)
وتشتهر الكتيبة بصرامة التدريب الذي تَفرضه على جنودها، وبالأسلحة المتفوقة التي يمكنها الوصول إليها، حسب «قراءات أفريقية».
ولفت التقرير إلى عنف BIR أيضًا إلى حدّ تطرُّق منظمات حقوق الإنسان إلى أعمال تعذيب وإعدامات تعسفية قامت بها الوحدة. ويقر أحد أعضائها السابقين بأنه شهد شخصيًّا عمليتي إعدام جماعيتين في شمال الكاميرون، حيث أُجبر الضحايا -حوالي عشرة- على حفر قبورهم بأنفسهم، ثم الاستلقاء هناك قبل قتلهم.
ووفق التقرير، تسبَّبت تصرفات BIR في فضيحة منذ اندلاع الأزمة في المنطقة الناطقة باللغة الإنجليزية في عام 2016م. وفي هذا الصراع غير المتكافئ بين القوات الحكومية والانفصاليين ضعيفي التسليح، اتُّهمت الوحدة في مناسبات متعددة بإحراق القرى، واغتصاب النساء، وارتكاب عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وأعمال تعذيب.
ودفعت هذه الانتهاكات الولايات المتحدة إلى تعليق جزء من المساعدات العسكرية التي كانت تمنحها للكاميرون منذ فترة طويلة في فبراير 2019م. وقد أدانتها بشدة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجهات أخرى.
وتشبه وحدة BIR إلى حدّ ما جيش بول بيا الخاص، نتيجة عدم خضوع عناصرها للهرم القيادي للجيش النظامي.
ويشير كاه والا، وهو شخصية معارضة في الكاميرون إلى القول: “نحن نتعامل مع رئيس دكتاتوري يمارس السلطة القمعية، وقد جهَّز نفسه بقوة مسلحة خاصَّة، ممَّا أدى بطبيعة الحال إلى زيادة مستوى القمع”، على حد تعبيره.
مواس ليس المقاول الخاص الإسرائيلي الوحيد
ويقول التقرير إن إيران مواس ليس المقاول الخاص الإسرائيلي الوحيد الذي يقدم الخدمات لـBIR. إن تحقيقنا -الذي تم إجراؤه بالشراكة مع القناة 12 [القناة التلفزيونية الإسرائيلية]- بحث في العلاقات طويلة الأمد التي أقامها بعض المواطنين الإسرائيليين مع وحدات النخبة التابعة للرئيس الكاميروني. روابط تعود إلى الثمانينيات وما تزال مستمرة حتى اليوم، ويستفيد “إيران مواس” وآخرون بشكل كبير من هذه المعرفة.
إنها صفقة جيدة، أن نتعاون مع BIR، وقد تم منح الوحدة المال بسخاء، وربما تم تمويلها من حساب خارج الميزانية للشركة الوطنية للهيدروكربونات [شركة عامة كاميرونية كبرى]، مما يعني أن التمويل يمكن أن يأتي بشكل غير مباشر من شركات النفط الممثلة في الكاميرون، بما في ذلك العديد من الشركات البريطانية، التي أبرمت صفقة غاز بقيمة 1، 5 مليار جنيه إسترليني (1، 6 مليار يورو) في 2018م.
وفحسب تقرير «قراءات أفريقية»، ففي إطار BIR، يشارك الإسرائيليون في كلٍّ من التدريب والقيادة وتسليم الأسلحة، لكنَّ هوية الكيانات الخاصة التي تعمل كوسطاء لا تزال غير واضحة.
وتقوم الوحدة كل سنتين أو ثلاث سنوات بتجنيد جنود جدد وتدريبهم في فِرَق تتألف من ألف أو ألفي رجل. وبعد تدريبهم، يحصل الجنود على أسلحة هجومية إسرائيلية الصنع. وكشفت إحدى المُجنَّدات السابقات في BIR، والتي تركت التدريب في عام 2015م، أن حوالي مائة مدرب إسرائيلي أمضوا ثلاثة أشهر في الكاميرون لتدريب الوحدة التي كانت جزءًا منها. كان من الممكن أن يتقاضى كل مدرب 1000 دولار (836 يورو) يوميًّا.
طموحات إيران مواس قد تجاوزت حدود مسؤولياته
يبدو أن طموحات إيران مواس قد تجاوزت حدود مسؤولياته ضمن BIR. ففي أبريل 2018م، فازت شركة غامضة تدعى Portsec SA بعقد بقيمة 43 مليون دولار (36 مليون يورو) لتأمين ميناء دوالا. الشركة مُسجَّلة في بنما، وهي دولة معروفة بسرّيتها، ولم يتم إدراج أيّ مالكين على الموقع. ولكن، وفقًا لاثنين من مصادرنا، فإن “مواس” هو الذي يقف وراء هذا العقد.
ووفقًا لوثيقة حصل عليها الناشط الكاميروني بوريس برتولت، فازت شركة بورتسيك بالعقد بفضل دعوة خاصة لتقديم العطاءات، من مكتب الرئيس. الوثيقة ليست سهلة القراءة، ولكن لا يزال بإمكاننا فكّ تشفير العنوان، c/o Kohli & Partner، وهي نفس شركة المحاماة التي استخدمها “مواس” لشراء الفيلا الخاصة به في لوس أنجلوس.
ويعد بول بيا هو أحد أصدقاء إسرائيل الأكثر موثوقية في القارة الإفريقية. وفي المقابل تدعم الكاميرون إسرائيل علنًا في المحافل الدولية الكبرى.. وتلعب الكاميرون دورًا رئيسًا في سعي إسرائيل إلى الشرعية.. وكل هذا جزء من الصراع الجيوسياسي مع الفلسطينيين، وفق التقرير.
العلاقات الخاصة بين إسرائيل والكاميرون
تعود العلاقات الخاصة بين إسرائيل والكاميرون إلى ما قبل وصول إيران مواس. ويمكن إرجاعها إلى عام 1984م، وهو عام الانقلاب الفاشل. وكاد الجيش الكاميروني أن يُطيح ببول بيا، الذي كان في السلطة لمدة عامين فقط في ذلك الوقت. وهو يشتبه في أن المستعمر السابق، فرنسا، دعم محاولة الانقلاب، ولذلك قرَّر البحث عن شركاء جدد لحماية ظهره.
يلجأ أولًا إلى رجل الأعمال الإسرائيلي مئير ميوحاس، العميل السري السابق الذي يعمل لصالح إسرائيل، ثم يلجأ لاحقًا إلى ابنه سامي. يستفيد الأب والابن من ترخيص حصري من وزارة الدفاع الإسرائيلية يسمح لهما بالتفاوض بشأن تسليم الأسلحة مع الكاميرون.
انتهت هذه الترتيبات الصغيرة في عام 2001م، لكنَّ مبيعات الأسلحة الإسرائيلية للبلاد استمرَّت. وأفادت عدة مصادر على غرار إفرات لاختر من القناة 12 أن عائلة ميوهاس تواصل تنسيق صادرات المعدات العسكرية إلى الكاميرون.
لكنَّ الدور الذي تلعبه إسرائيل داخل القوات المسلحة الكاميرونية يمتدّ إلى ما هو أبعد من مجرد عمليات تسليم الأسلحة. في الواقع، كان الإسرائيلي أبراهام آفي سيفان هو الذي أنشأ BIR في عام 1999م، تحت اسم مختلف في البداية.
اقرا أيضا:
بعد نجاحهم في السودان.. البرهان يسوّق لـ«المرتزقة الأوكران» في المنطقة
وكان سيفان قد تولَّى في الماضي قيادة عدة وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي قبل أن ينتقل إلى القطاع الخاص، حيث عمل ملحقًا عسكريًّا إسرائيليًّا في الكاميرون. بعد ترك الخدمة المدنية، قام بتدريب الحرس الرئاسي الكاميروني والإشراف عليه، وعمل على إنشاء BIR تحت سلطة وزير الدفاع الكاميروني والرئيس نفسه.
والخلاصة أن محاولة الإطاحة بالرئيس بيا عام 1984 كانت سببًا رئيسيًا في ارتمائه في أحضان إسرائيل، خصوصا في المجال الأمني، مستفيدًا من تجرِبتها مع نظيره الزائيري، وجاره الشرقي موبوتو سيسي سيكو، حسب ما يرى خبراء.