أدباء: الجوائر العربية تقلص حضور القصة القصيرة
اعتبر كتّاب قصص عرب المعايير التي تضعها دور النشر استجابة لسياسات الجوائز العربية التي يذهب معظمها للرواية سببا في تراجع حضور القصة القصيرة في العالم العربي.
وفي ندوة نظمتها الخميس جامعة الشرق الأوسط الأميركية في الكويت ضمن فعاليات الدورة السادسة لجائزة الملتقي للقصة القصيرة، اعتبر كاتب القصص المصري منتصر القفاش الحديث عن واقع القصة القصيرة في العالم العربي« غير دقيق، في ظل ما وصفه بالافتقار إلى وجود إحصائيات عن حجم القصص المنشورة».
وخلال الندوة، التي تناولت النشر وواقع القصة القصيرة، قال القفاش إنّ «دور النشر العربية تحجم عن نشر القصص لاعتبارها من وجهة نظرها غير مطلوبة»، واعتبر أن «هذا يبخس القصص قيمتها الفنية ويجعلها في مرتبة أدنى من أي نوع أدبي آخر »، وفق وكالة أنباء العالم العربي.
الدورة السادسة، التي تختتم أعمالها أمس الجمعة، شهِدت عدّة جلسات، وشارك فيها أكثر من 25 كاتبا وباحثا، ناقشوا واقع القصة العربية والنشر والصحافة والنقد ومهنة المحرر الأدبي، بالإضافة إلى فرص ترجمة القصص القصيرة من اللغة العربية إلى لغات أجنبية.
وكانت فعاليات هذه الدورة قد انطلقت يوم الأربعاء الماضي، وأُعلن فوز الكاتب المصري سمير الفيل (73 عاما) بجائزتها، وقيمتها 20 ألف دولار أميركي، عن مجموعته (دُمَى حزينة).
ضرورة فنيّة
ويرى القفاش أن القصّة القصيرة ضرورة فنيّة للكاتب، معتبرا أنّ أيّ صراع بينها وبين الروايّة تحسمه الضرورة الفنيّة التي يتطلبها النص وليس رغبة الناشر.
وقال إن القصّة انتعشت خلال الفترة الأخيرة وعادت لتصبح محور اهتمام الناشرين، حيث ظهر العديد من الأسماء الواعدة. لكّنه أشار إلى أنه لاحظ تصدّر الرواية لسوق النشر "بغض النظر عن القيمة الفنية".
أضاف القفاش، الحائز جوائز عديدة من بينها جائزة الدولة التشجيعية في مصر، «دور النشر الحكوميّة لا تزال هي الملاذ الآمن لنشر القصص، بعد أن أصبحت فنّا غير مرحب به في سوق النشر الخاص».
وبينما أشار إلى أن السلاسل الحكوميّة أفسحت المجال أمام نشر القصص القصيرة، فقد اعتبر أن «معظم المنشور تغلب عليه فكرة التشجيع»، وقال إن «هذا يفسّر ضعف الأعمال الفنيّة المنشورة وعجزها عن لفت نظر القرّاء، مرجعا ذلك الضعف أيضا إلى ندرة وجود مهنة مدير النشر في معظم دور النشر العربية».
كليشيهات المرحلة
من جهتها، اعتبرت الناقدة والشاعرة البحرينية الدكتورة بروين حبيب أنّ تعبير’زمن الرواية‘ أصبح ضمن ما سمّته «كليشيهات المرحلة» وعبارة دارجة دون تساؤل عن الأسباب الموضوعية لانتشار الرواية وتراجع القصة القصيرة.
وقالت «لم نختبر الفكرة ذاتها بالإحصاء، كما أن أغلب الروائيين الكبار ما بين الخمسينيات وبدايات الألفيّة كتبوا الرواية والقصة دون شعور بالتناقض أو المنافسة بين الفنّين».
واعتبرت أن «المملكة الحقيقية» لفن القصة القصيرة هي المجلّات والصحف، لذلك، فإنها ترى أنّ ما سمّته «انطفاء المجلات الأدبية» أسهم في تقلّص مساحة تواجد القصّة القصيرة في المجال العام.
ومن وجهة نظرِها، فإن العامل الأساسي في طغيان الرواية يعود إلى الطفرة التي أحدثتها الجوائز المرصودة لها، "وهي مبالغ تُسيل لعاب الناشرين والمؤلفين، لا سيما وأن بعض دور النشر تقوم باقتطاع نسبة مئوية من قيمة الجائزة بناء على اتفاقها مع الكاتب".
وقالت «استسلام الناس لعبارة (الجمهور عايز كده) -هذا ما يريده الجمهور- أفسد الفن والإعلام وبدأ أيضا يُفسد الأدب بعد أن وقع تحت عجلات الاستهلاكية».
وبينما اعتبرت أن غياب المجال الحيوي مُمَثّلا في الصحافة أفقد القصّة حضورها العام، فقد أشارت إلى أن التكنولوجيا الرقميّة أتاحت فرصة لإعادة الاعتبار لهذا الفن، بحسب وصفها. وترى حبيب أنّ وجود سبُل جديدة للنشر تتواءم مع الوسائط ومواقع التواصل الاجتماعي يمثّل «فرصة ملائمة لترويج القصة والتواصل مع القرّاء الجدد، فضلا عن الاستغناء عن سلطة الناشر».
ظلم للنشر
لكنّ الناشر ساجد العبدلي من دار (ذات السلاسل) الكويتية دافع عن سياسات عمل الناشرين، قائلا إنّ «النشر صناعة، وبالتالي هناك معادلة ماليّة لن تستقيم ما لم ننجح في تحقيق أرباح».
وأوضح أن الناشر يُعاني منذ سنوات طويلة بعد تقلّص أعداد القرّاء في ظل الأزمات الاقتصادية المتعاقبة "وبالتالي أصبح النجاح التجاري هو الاستثناء في مهنة تحتضر.. .نواجه تحديات البقاء، كما أنّنا نعرف واقع النشر بحُكم التعامل اليومي مع القرّاء".
وبحسب رأيه، فإن الناس يتجهون نحو قراءة الرواية في المقام الأول، ويهتمّون بالكتاب الذي يحقّق نجاحا في التواصل الاجتماعي، وقال «كلّ كتاب يحقق نجاحا على مواقع التواصل الاجتماعي نضمن نجاحه في المعارض، أما الكتب التي تأخذ جوائز، فهي تنطفئ بسرعة».
وأعتبر العبدلي أن «تطوّر الطباعة الرقميّة يساعد في فتح باب جديد للقصة القصيرة، لأنه يسمح بالتحكّم في حجم النسخ المطبوعة ويقلّل من أعباء تخزينها، وبالتالي يُتيح وسيلة لدعم القصص ولمؤلفي القصص، كما أن النشر الرقمي يفيد جزئيا في تحسين واقع القصص القصيرة».