منطقة التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون والصين.. خيار حكيم للمنفعة المتبادلة
لا شك أن منظمة مجلس التعاون الخليجي هي من أهم المنظمات ثقلاً اقتصاديا و سياسيا في منطقة الشرق الأوسط. منظمة مجلس التعاون الخليجي تضم كلا من دولة الأمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان و ملكة البحرين و دولة قطر ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية بتعداد سكاني يبلغ 34 مليون نسمة ومساحة تبلغ 2.67 مليون كيلومتر مربع، وأهم مصدر طبيعي في تلك المنطقة هي البترول والغاز الطبيعي.
تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية بين مجلس التعاون والصين
يحتفظ مجلس التعاون الخليجي بعلاقات سياسية واقتصادية جيدة وسليمة مع الصين، وفي المجال السياسي فإن مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في عام 1981 قد بدأ في تطوير علاقات التعاون المشترك الودي مع الصين، وكان هناك تبادل متكرر للزيارات رفيعة المستوي، واتصالات متواصلة ونشطة عبر القنوات الشعبية، وفي المجال الاقتصادي فإن مجلس التعاون الخليجي قد حافظ علي علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين، فكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي قد وقعت اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار. ومن حينها فإن حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين في زيادة عام بعد عام. وعلي سبيل المثال فإن حجم التبادل التجاري المتبادل بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين قد بلغ في عام 1991 مبلغ 1.5 مليار دولار أمريكي، ولكن بنهاية عام 2005 فأن الرقم زاد ليصل إلي 33.8 مليار دولار أمريكي أي ليزيد بأكثر من 20 ضعف في فترة تقارب العشر سنوات. والسنوات العشر الأخيرة شهدت ارتفاع حاد في حجم التبادل التجاري ليصل إلي حوالي 200 مليار دولار أمريكي. وباعتبار منظمة مجلس التعاون الخليجي من أهم الكيانات الاقتصادية في المنطقة، فالمنظمة تعد ثامن أكبر شريك تجاري للصين وتحتل المركز التاسع في استيراد السلع الاستهلاكية من الصين( الأرقام من وزارة التجاري الصينية). هناك أنواع مختلفة لمجالات التعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجي بما في ذلك مشاريع المقاولات وتطوير منظومات الطاقة والاستثمار المباشر وإلخ. مجال التعاون المشترك بين مجلس التعاون المشترك والصين في اتساع بشكل سنوي مستمر.
نقطة تحول كبرى
وفي وقت مبكر من عام 2004، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي والصين مفاوضات حول إنشاء منطقة التجارة الحرة (FTA). وفي السنوات العشر الماضية شهدت تلك المفاوضات تقلبات و تحولات، ولكن رغبة الطرفين في تعزيز وتقوية التعاون التجاري الحر لم تتغير علي الإطلاق. ومن اجل تنسيق العمل بين الطرفين فقد أقام مجلس التعاون الخليجي والصين في عام 2010 ألية حوار إستراتيجي، فقد أرست العلاقات السياسية والاقتصادية القائمة بالفعل بين الجانبين بلا شك أساسًا متينًا ولعبت دورًا حافزًا في دفع الأعمال المتعلقة بإنشاء منطقة التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين.
المنفعة المتبادلة
أن دفع إنشاء المنطقة التجارية الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين وذلك لتوسيع أفق التعاون الاقتصادي مع الصين لم يجعل فقط دول مجلس التعاون الخليجي تجني المزيد من الفوائد الاقتصادية ولكنه سيخلق لهم دخل مستقر من تجارة البترول مع الصين. حيث أن الصين تشهد حالياً تطور اقتصادي سريع للغاية وذلك بعد الإصلاحات الداخلية و ممارسة سياسة الانفتاح علي العالم. فحالياً القطاع الصناعي الصيني في ازدهار وتوسع كبير وأصبحت الصين "مصنع العالم". فالتطور الاقتصادي الكبير والسريع يستلزم زيادة كبيرة في استيراد المواد الخام من الخارج وخاصة الازدياد في الطلب علي البترول المستورد من منطقة الشرق الأوسط. فالتحليلات أظهرت أن احتياطي البترول في دول مجلس التعاون الخليجي الست يمثل ما يساوي 45.8% من مجمل الاحتياطي العالمي للبترول.
فقد أصبح البترول من اهم مصادر الدخل لمجلس التعاون الخليجي و البترول من المواد الخام التي تلعب دوراً محوريا في عملية التطور الصناعي والتحديث في الصين، فالصين منذ عام 1993 أصبحت من الدول المستوردة للبترول وفي عام 2005 أصبحت ثاني اكبر مستهلك للبترول في العالم و أكبر دولة ذات معدل نمو في استهلاك البترول، فحاجة الصين المستمرة والمتزايدة للبترول ستتحول بلا شك إلي مصدر دخل مستقر ومستمر لمنطقة الشرق الأوسط، ولذلك فإن إنشاء اتفاقية لمنطقة تجارة حرة بين مجلس التعاون الخليجي و الصين سيسهل للجانبين استيراد وتصدير المنتجات.
قرار حكيم
فإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين سيقوي علاقة التكامل الاقتصادي بين الجانبين و ما أوردنا سابقاُ فأن البترول هو شريان الحياة الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي. وما تزال الصناعات في تلك المنطقة باستثناء صناعة البترول والبتروكيماويات في مستوي منخفض نسبياً. وعلي سبيل المقارنة فأن الناتج الصناعي وناتج الصناعات الغذائية لا يزال صغير نسبياً علي الرغم من أن تلك الدول تمتلك اعلي نسب للدخل المحلي الإجمالي في العالم. فلتلبية الحاجات اليومية من السلع في تلك البلدان تتوجه لاستيراد السلع الاستهلاكية والبضائع، وبالتالي فأنشاء منطقة تجارية حرة سيصبح قناة / منصة جيدة لاستيراد وتصدير حاجات الجانبين. ومن منظور الجانب الصيني لإنشاء تلك المنطقة سيتيح لها اكتساب سوق خارجي ضخم لصناعاتها المزدهرة، ومن خلال تلك الاتفاقية للمنطقة التجارية الحرة فبإمكان الصين المشاركة في استكشاف الموارد وتطويرها في تلك المنطقة الحيوية من العالم، وليس ذلك فقط ولكن يمكن للصين من خلال تلك المنطقة اكتساب سوق خارجي كبير لنقل بضائعها ومنتجاتها ليس إلي دول مجلس التعاون الخليجي فقط ولكن إلي كل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و جنوب شرق أسيا حيث عدد السكان في تلك لمناطق يفوق المليار نسمة وبالتالي فإن أنشاء تلك المنطقة الحرة هو خيار مربح لكلا الجانبين.
تعاون اقتصادي مميز يحقق قوة استراتيجية جديدة
تأسيس منطقة للتجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين وتوطيد التعاون مع الصين من ناحية سيقوم بتكبير مظلة التعاون الاقتصادي ومن جهة أخري سيقوي العلاقات السياسية الثنائية، فمن خلال منصة تلك الاتفاقية سيمكن للطرفين القيام بالمزيد من أعمال التبادل والتعاون الاقتصادي والقيام بأعمال التكامل الاقتصادي لكلا الطرفين. والأكثر أهمية أن إنشاء تلك الاتفاقية سيقوم بتنحية تأثير الهيمنة المستمرة لدول الغرب منذ فترة طويلة ف تلك المنطقة و هو ما في نهاية المطاف سيؤدي إلي موازنة القوة الاستراتيجية الجغرافية للمنطقة مما رفع قيمة قوة دول المنطقة في الشئون الدولية.