عام من الحرب.. السودان أمام سيناريوهات متعددة و«الليبي» في الصورة
غدا الإثنين، تحل ذكرى اندلاع شرارة الصراع على وقع أصوات رصاص منهمر من منطقة المدينة الرياضية بجنوب العاصمة الخرطوم، رغم أن السودانيين كانوا يتأهبون للاحتفال بتوقيع منتظر على اتفاق ينهي أزمة سياسية وقعت في 25 أكتوبر 2021 على خلفية إعلان البرهان رئيس مجلس السيادة حالة الطوارئ وحل مجلس الوزراء ومجلس السيادة، الذي كان يشرف على الانتقال إلى حكم مدني في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019 بعد فترة حكم امتدت ثلاثة عقود.
ونشرت وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، الأحد، تقريرا مطولا تحت عنوان «السودان.. عام من الحرب يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة»، تناولت فيه الأوضاع في الدولة العربية الأفريقية التي تمزقها الخلافات الداخلية والاقتتال بين أبنائها كوكلاء عن أطرف خارجية.
وقال التقرير إنه مع تمدد الصراع في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لعام من الزمان وتوسعه جغرافيا ينفتح الباب أمام عدة سيناريوهات قد تشهد تحولات في الصراع بسبب تصاعد التوترات القبلية مما يجعل تحقيق السلام وتأمين مستقبل ديمقراطي أكثر تعقيدا.
سيناريوهات بشأن مآلات الصراع في السودان
ويرى عدد من المحللين أن تطورات الأحداث في السودان مفتوحة على عدة سيناريوهات بشأن مآلات الصراع الذي اندلع في 15 أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وأجبر الملايين على الفرار ودفع الدولة إلى حافة المجاعة.
ويتوقع المحللون سيناريوهات تتفاوت بين الانزلاق في آتون حرب أهلية يخشى من خلالها تكرار السيناريو الليبي، وآخر يفضي لتسوية بين الطرفين المتحاربين وثالث يتعلق بتسوية شاملة تؤدي لسلام مستدام وتحول ديمقراطي وتنهي الصراع الذي أدى الى كارثة إنسانية إذ يحتاج حوالى 25 مليون شخص أي ما يعادل أكثر من نصف السكان إلى المساعدات بينهم نحو 18 مليونا يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي وفق بيانات الأمم المتحدة.
يقول استاذ العلوم السياسية الدكتور بكري الجاك إن سيناريو شبح الحرب الأهلية ربما يخيم على المشهد في الآونة المقبلة.
ويوضح بأن انزلاق السودان إلى حرب فوضوية يعد من أقرب السيناريوهات في الوقت الحالي، استنادا إلى مؤشر حملات التسليح الواسعة للمدنيين للانخراط في القتال وتمدد خطاب الكراهية الذي يعمق الانقسام السياسي والمجتمعي.
وويرى أن هذا السيناريو يسير في واقع عملي بعد سيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، على أربع ولايات رئيسية في إقليم دارفور غرب السودان وولاية الجزيرة في وسط البلاد مقابل سيطرة الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان على ولايات الشمال والشرق وتوسع (الحركة الشعبية- فصيل عبد العزيز الحلو) بولاية جنوب كردفان. كل هذا يظهر تقسيما فعليا للبلاد بما يوازي النموذج الليبي الذي يوجد به حكومتان تتنازعان السلطة إحداهما في طرابلس معترف بها من الأمم المتحدة والثانية في الشرق يقودها القائد العسكري خليفة حفتر.
ولفت الجاك إلى أن تطور ديناميكيات توسع الصراع زاد احتمال امتداده إلى مناطق أخرى بعد بلوغ استعداد المدنيين لحمل السلاح ذروته مصحوبا بالتعبئة القبلية التي من شأنها أن تساهم في تصاعد الاستقطاب الاجتماعي والسياسي.
ملايين السودانيين يعانون من أوضاع إنسانية صعبة
وفي هذا الصدد حذر الخبير العسكري الدكتور أمين مجذوب من استمرار الحرب في وقت يعاني ملايين السودانيين من أوضاع إنسانية صعبة، وويقول إن الحرب وصلت لما يعرف بمرحلة (توطين الأزمة) بمعنى وجود عوامل استمرارها بعد توفر خطوط الامداد.
وفي المقابل استبعد مجذوب سيناريو الحرب الأهلية الشاملة لاعتبارات تتعلق بأن المقاومة الشعبية منضبطة وتحت سيطرة القوات المسلحة.
فيما يطرح المحللون سيناريو وصول الصراع لحالة جمود وانهاك للطرفين ووجود ضغوط دولية فاعلة، تسهم في التوصل لاتفاق يكون من نتائجه اقتسام السلطة والثروة والقوات النظامية في ما بينهما. لكنهم يعتقدون أن خطورة هذا السيناريو اضافة لكونه لا يسمح بانتقال ديمقراطي فإنه يوقف الحرب ولا ينهيها مما يفتح الطريق لإشعالها مرة اخرى وبشكل اكبر وفي ذات الوقت ومع صعوبة تحقيق انتصار عسكري حاسم لأي طرف وإطالة أمد الصراع قد يؤدي ذلك لتشظي الطرفين أو احدهما وظهور مجموعات فاعلة في المشهد عسكريا ليبدو المشهد قريبا مما حدث في الصومال ابان التسعينيات.
ويقول الجاك إنه من المحتمل أيضا ان يتوصل الجيش والدعم إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، دون عملية سياسية تشارك فيها القوى السياسية المدنية ما يمكن أن يشكل مدخلا لسلطة شمولية عسكرية جديدة في البلاد أو انقسامات داخل الأطراف المتقاتلة.
في الأثناء يقول مجذوب ان سيناريو انتصار طرف يبدو صعبا ويشير إلى أنه في حال انتصار القوات المسلحة عسكريا فستكون هناك ارتدادات أمنية من قبل الطرف الاخر باللجوء إلى حرب العصابات. وفيما يتعلق باحتمال اتفاق الطرفين، فإن هذا السيناريو يقوم على قيامهما بالاتفاق مع القوى المدنية أو بعضها من أجل إيقاف الحرب وتكوين مؤسسات حكم دستورية مشتركة.
ويقول المحللون إن ميزة هذا السيناريو أنه ينهي الحرب الحالية لكن خطورته أنه يفضي لتكوين سلطة مدنية دستورية منزوعة ومتنازعة الصلاحيات، بجانب أن النموذج ينتج حالة تعايش يترقبها الجميع ويترصد فيها الجميع بعضهم بعضا وهو ما قد يقود لانسداد سياسي أو يؤدي لاندلاع الحرب مستقبلا.
في المقابل يرى مجذوب ان الاقرب من الاتفاق الهش هو استمرار الحرب بما يؤدي لخلق حالة من الفوضى، وفق «كونا».
تأسيس مؤسسات حكم مدني دستوري
وهناك سيناريو آخر بشأن الانتقال الكامل، يقوم على إنهاء الحرب بحيث يترتب عليه تأسيس مؤسسات حكم مدني دستوري كاملة تخضع لها القوات النظامية، ويتم من خلالها إعادة تأسيس الدولة وكل مؤسساتها النظامية العسكرية والمدنية.
ويؤكد المحللون أن هذا هو السيناريو الأفضل باعتباره يحقق الانتقال الديمقراطي وينهي حالة عدم الاتزان ومعالجة ازمة بناء المؤسسات في الدولة السودانية في كل المستويات.
إلا أنهم أشاروا إلى أن مشكلة هذا السيناريو أن ميزان القوة ليس في صالح القوى المدنية وبالتالي فإن الوصول لهذه النتيجة يتطلب إحداث اختراق سياسي مركزي باستخدام القوة الناعمة والسياسية من خلال مخاطبة المخاوف والمطامح للقادة العسكريين المشاركين في الحرب خاصة أنهم يعتقدون أن إطالة امد الحرب لن تكون في صالحهم في المدي البعيد.
ويعتبر مجذوب ان هذا السيناريو هو الأقرب والأمثل عبر ايقاف الحرب بما يشمل جانبا سياسيا مدنيا يؤدي لتحول ديمقراطي سواء عبر فترة انتقالية قد تطول أو تقصر وبعدها انتخابات.
وتلعب عدة عوامل وديناميكيات ادوارا أساسية في ترجيح كفة اي من السيناريوهات السابقة ابرزها تمدد الصراع وقدرة الأطراف المتصارعة على الحفاظ على وحدة القوات والتحكم والسيطرة الميدانية بجانب التعبئة القبلية التي من شأنها أن تساهم في تصاعد الاستقطاب الاجتماعي والسياسي فضلا عن الدعم الاقليمي والدولي بالسلاح وغياب الادوار الحاسمة لوقفه أو الحد منه.
ويرى استاذ العلوم السياسية الجاك ان هناك عوامل اخرى تتعلق باستمرار اقتصاد الحرب والقدرة على تصدير الذهب والمواشي وبقية الموارد لتمويل الحرب فضلا عن الدعم الخارجي لأطراف الحرب وغياب الموقف الدولي والاقليمي الحاسم من استمرارها.
اقرأ أيضا:
عام على حرب الجنرالين بالسودان.. لا مخرج في الأفق
بـ100 مليون دولار.. واشنطن تلتفت إلى «السودان الجائع»
وأضاف أن «هناك عاملا آخر ضعيفا حاليا يتصل بقدرة المدنيين الرافضين للحرب من تجريدها من مشروعيتها الاخلاقية إلا انه يظل عاملا حاسما إذا وجد عملا منظما ومؤسسا خاصة في ظل استمرار الصراع دون حسم مع ارتفاع كلفته».