لهيب «الخماسين» تشوي أطفال وشيوخ رفح.. خيام النازحين تتحول لـ «أفران ساونا»
الطقس الحار حول بيوتات إيوائهم القماشية إلى أشبه بأفران النار، لتضاف معاناة جديدة لمليوني نازح في رفح لاشيء يقيهم الحر تماما كما واجهت أجسامهم الهزلى برودة الطقس في الشتاء، وإن كان نجح البعض في الوصول إلى الشاطيء في مغامرة محفوفة بالموت يبقي أغلبية النازحين أسرة للخيام الملتهبة
ويعمد الفلسطيني سهيل فلوينة إلى نقل أبنائه خارج خيمتهم في ذرفح بقطاع غزة على أمل التخفيف من حدة الأجواء الحارة داخلها، قبل أن يظلل جانب الخيمة ببطانية صغيرة لإبعاد حرارة الشمس عن أجسادهم، بينما يفترش قطعة قماش مهترئة أملا في حمايتهم من سخونة الكثبان الرملية التي يعيشون عليها.
الخماسين تضرب المخيمات
يعيش قطاع غزة أجواء خماسينية من المتوقع أن تستمر لعدة أيام وفق الأرصاد الجوية، وتزداد هذه الأجواء سخونة للنازحين في رفح المجاورة لصحراء شبه جزيرة سيناء المصرية لتأثرها بالأجواء الصحراوية أكثر من بقية مدن القطاع.
حكايات لقتل الوقت السيء
يسلي الأب أبناءه ببعض الحكايات انتظارا لقدوم أخيهم الأكبر أحمد (22 عاما) الذي ذهب لملء جالون مياه من مكان يبعد نحو كيلومتر واحد عن الخيمة من أجل الاغتسال، قبل أن ينثروا المياه أعلى المكان وفي محيطهم لعلهم يظفرون بلحظات أقل حرارة في ظل الأحوال الجوية القاسية.
ينقل الأب 50 عاما، الحبل الذي يحمل الملابس المغسولة من مكانه ويثبته بجانب أبنائه الخمسة لتنشر الأم بعض الملابس المبللة التي تتعمد عدم عصرها لتسقط قطرات المياه بجوار الجالسين من جهة، وتظلل عليهم من أخرى، في الوقت الذي تتعثر جهوده في الحصول على مياه أو مشروبات باردة يلح الأبناء عليه لشرائها على أمل منحهم إحساسا أقل بالحرارة.
هروب المواطنين من الحر في الخيام ومن واقع الحرب المريرة التي قضت مضاجعهم بعد 6 أشهر متواصلة إلى شاطئ البحر في #رفح #اكسبلور #غزة #GazaAttack pic.twitter.com/2NoP6f2PhJ
— عبدالله عبيد (@abdulla7_ebaid) April 17, 2024
بيد أن كل محاولات الفكاك من الأجواء الملتهبة ولو قليلا تذهب أدراج الرياح، ولا يحتمل الأبناء البقاء طويلا بجانب الخيمة، فينطلقون من مكانهم بحثا عن خيمة أو عريشة أكثر ارتفاعا قياسا بخيمتهم صغيرة المساحة، أو مكان مرتفع قليلا قد يجدون فيه هواء أقل حرارة.
غير أن الأبناء يجابهون بالرمال والغبار الذي يتطاير حولهم بصورة تجعل من حركة الرياح مشكلة إضافية تزيد من سوء الأحوال الجوية، ليستسلموا جميعا لشدة الحرارة وتعامد أشعة الشمس بطريقة تجعل أجسادهم تتصبب عرقا دون أن يجدوا ماء للاستحمام أو التبريد.
يبدو الإجهاد بصورة أكبر على الابن الأصغر أشرف الذي لم يكمل أعوامه الستة في أثناء محاولة الأب نقله من محيط خيمة إلى أخرى بحثا عن مكان أقل حرارة، حتى يجثو الطفل على الأرض بعد احمرار وجهه وتصببه عرقا.
يسرع الرجل حاملا طفله تحت أشعة الشمس إلى خيمة قريبة يمتلك أصحابها برميل مياه كبيرا سعة ألف لتر، ليواصل صب الماء عليه من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين، في حين يرتجف الطفل وتنخفض حرارته تدريجيا ولا يتمنى أكثر من بقائه تحت صنبور الماء المتدفق، وهي أمنية صعبة التحقق في ظل أزمة الحصول على الماء في قطاع غزة.
بسبب الحر الشديد في الخيام
نازحون يصطافون على شاطئ مدينة #رفح هرباً من الأجواء الحارة داخل الخيام التي لجأوا إليها نتيجة حرب الابادة التي تستهدف الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023 م .https://t.co/lMXptThTn9#قناة_اليرموك#قريبون_منكم pic.twitter.com/et4QfFEx2g— قناة اليرموك الفضائية (@YarmoukTvSat) April 17, 2024
يسيطر الحزن على الأب الذي انتقل من مشكلة برودة الخيام في الشتاء إلى سخونتها في الوقت الحالي رغم عدم دخول فصل الصيف بعد، بينما يحاول في الوقت نفسه توفير أي بديل يمكنهم من استمرار الحياة بالحد الأدنى في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
الخيام تحولت لأفران
يوضح فليونة، النازح من مدينة غزة ست مرات قبل انتقاله إلى رفح، أن اليوم الأول لارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة جعل من الخيمة «فرنا» يشوي أجساد البشر من سخونته مع عدم وجود بديل آخر أو مكان يمكن اللجوء إليه ولو لبضع ساعات خلال تعامد الشمس وسط النهار.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي( (AWP خيامنا مقامة على كثبان رملية ممتدة، ولا يوجد حتى بيت أو عريشة أو أي مكان يمكننا الفرار إليه حتى نستظل ولو قليلا".
وأضاف «عذاب فوق العذاب وحياة لا أعتقد أننا سنصمد معها طويلا أمام حرارة الصيف، مخرجنا الوحيد مغادرة هذه الصحراء القاحلة إلى بيوتنا».
الشمس تكوي أجساد الصغار
وإلى جانب الحدود المصرية مباشرة نزحت عائلة جهاد الغندور من حي الزيتون في مدينة غزة بعدما تنقلت خمس مرات قبل أن تحط رحالها في رفح، لتكتوي أجساد أبنائها الصغار بالأجواء الخماسينية شديدة الحرارة، فلا تجد بدا من أن تستظل بحائط غرفة حراسة كانت للأمن الفلسطيني قرب الحدود رغم خطورة استهدافها من جانب إسرائيل.
يجلس جهاد (30 عاما) على مقربة من أطفاله الأربعة، في حين تجتهد زوجته في توفير مياه الشرب لأطفالها وبعض قطع القماش المبللة بالماء التي تضعها على رقابهم ورؤوسهم.
يعبر جهاد عن خشيته من تعرض أطفاله للخطر جراء ارتفاع درجات الحرارة وعدم القدرة على العودة بهم إلى داخل الخيمة «التي تشتعل نارا» على حد قوله، معتبرا أنهم لم يستطيعوا تجاوز اليوم الأول من أول موجة حر شديدة "فكيف الحال ببقية الصيف وأجوائه الملتهبة؟".
يتحدث جهاد بغضب وإحباط عن الحال الذي وصلوا إليه مع حياة النزوح بعد أن كانوا يعيشون في بيوتهم التي تتوفر فيها مقومات الحياة، متوقعا أن تزداد حياتهم قسوة مع ارتفاع درجات الحرارة يوما بعد آخر.
ويقول «الأزمة الكبرى أننا لا نجد مكانا لوضع أطفالنا فيه علهم يشعرون بدرجة حرارة أخف ولو حتى شجرة أو مبنى، فكل المنطقة خيام تتضاعف فيها درجات الحرارة ونحن بجوار صحراء سيناء».
وأضاف «كما لا نجد مياها باردة أو مشروبات تخفف عن الأطفال هذه الحرارة، لنقف عاجزين أمامهم وهم يعذبون من الحرارة دون أن نفعل شيئا».