خليجيون| هل يصمد الحلم التجاري في الخليج أمام حروب المنطقة؟
طرحت وسائل إعلام غربية تساؤلات عن مصير الطموحات الخليجية التجارية العالمية، في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة وكذلك التوتر بين إسرائيل وإيران، لافتة إلى أن الرؤية الخليجية قبل نشوب هذا التوتر تتمثل في أن يكون الشرق الأوسط الجديد مركزاً تجارياً أكثر هدوءاً وحيادية يجمع اقتصاديا العرب واليهود والإيرانيون والأميركيون والصينيون، فيما يرى محللون اقتصاديون صعوبة تحقيق هذا الحلم.
واعتبرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية في تقريرها الذي ترجمته «خليجيون» أن تلك الرؤية (التي دافع عنها بقوة قادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتبناها الرؤساء التنفيذيون في جميع أنحاء العالم) تعرضت للهجوم - أولاً عقب العدوان على غزة، ثم هذا الشهر، في أول تبادل مباشر لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وتساءلت الصحيفة قائلة:« هل يمكن للحلم أن يصمد أمام العودة إلى الاضطراب؟»
حروب المنطقة هدفها استنزاف ثروات الخليج
ويرجح أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، الدكتور حسن الصادي على تلك التساؤلات، صعوبة تحقيق حلم الخليج التجاري الإقليمي في ظل هذه الأجواء المشتعلة، مشيرًا إلى أن الحروب «لها تأثير سلبي على أي مشاريع اقتصادية بأي منطقة محيطة بنزاعات دولية» لاسيما و وأن تلك الحروب تعرقل جغرافيا التجارة «برية وبحرية وجوية» والتي تستعدي التأهب العسكري والأمني على مدار الساعة.
ويرى الصادي في تصريح إلى «خليجيون» أن« النزاعات الحالية في منطقة الشرق الأوسط هي صراع على الثروات في جوهرها»، محذرًا الدول العربية والخليجية من الاستسلام أمام المطامع الغربية في ثرواتهم واستنزاف أموالهم في مشاريع ضخمة غير ربحية.
ويضرب أستاذ التمويل مثالا لاستضافة قطر كأس العالم 2022، إذ أنفقت 220 مليار دولار كلها ذهبت إلى الشركات الأجنبية التي شيدت الملاعب والفنادق والبنية التحتية الرياضية والتي انتهى وقتها بمجرد اطلاق صفارة نهاية نهائي كاس العالم.
وأشاد الصادي بالخطوة السعودية في تخفيض طمحوتها في مشروع نيوم، منوها أن «الهدف من ذلك المشروع (الليبي الأصل) هو استنزاف أموال المملكة وتحويلها إلى جيوب أوروبا وأميركا عبر شركات هندسية وسياحية».
وخفضت المملكة العربية السعودية من مستوى طموحاتها، ووتيرة العمل في مشروع نيوم، خصوصا في مجال الصناعة.
وكان من المخطط أن تصل تكاليف مشروع «نيوم» إلى ما يقرب 350 مليار دولار حتى 2030، وأن تبلغ تكاليف كامل المشروع 1.5 تريليون دولار، يمول الصندوق السيادي السعودي نصف التكاليف ويتم اللجؤ لتمويل النصف الاخر إلى استثمارات خارجية وقروض، إلا أنه يبدو أن السيولة في الصندوق السيادي انخفضت إلى 15مليار دولار السنة الماضية من أصول تبلغ حوالي 900 مليار دولار، وأن أصول الدولة ومدخولاتها انخفضت السنة الماضية، مما سيؤدي لمعاناة الدولة من عجز قد يصل إلى أكثر من 4٪، نتيجة لانخفاض سعر البترول وحجم الإنتاج السنة الماضية، حسب صحيفة «مونت كارلو».
ابتعاد ناقلات النفط عن المياه «الهائجة»
وابتعدت العديد من ناقلات النفط عن المياه «الهائجة» في البحر الأحمر، كما عزف السائحون عن شواطئ مصر والأردن، حيث يعتمدون عليهما بنسبة بين 10و15% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط تراجع الآمال في جذب 160 مليون سائح سنويا إلى المنطقة بحلول عام 2030، أي ثلاثة أضعاف العدد في عام 2023، حسب «الإيكونوميست».
في الوقت نفسه يضغط عمال التكنولوجيا التقدميون المؤيدون للفلسطينيين في أميركا على شركة جوجل لإسقاط مشروع للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار في الأراضي المحتلة، حيث ساهم الصراع في تباطؤ نمو الإيرادات في شركة Snap. وتقول شركة التواصل الاجتماعي إن المعلنين يخفضون الإنفاق في المنطقة، حيث يقيم 30 مليونًا من مستخدميها البالغ عددهم 400 مليون، كما أعربت شركة ميتا، التي تمتلك فيسبوك وإنستغرام، عن مخاوف مماثلة.
كيف يواجه الخليج الأزمة؟
ويعتبر أستاذ اقتصاديات التمويل حسن الصادي في تصريح إلى «خليجيوم» أن القرار السياسي «الحاسم» يعد بمثابة القاعدة الأساسية لبناء أي رؤية اقتصادية، ملمحًا أن الرؤى الخليجية سواء في السعودية أو عمان أو قطر وغيرها لن تكتمل إلا بقرار سياسي حازم من شأنه وقف التهديد الإسرائيلي على المنطقة برمتها، ضاربًا مثال بفترة العاهل السعودي الملك فيصل والرئيس العراقي صدام حسين والرئيس المصري حسني مبارك موضحًا أن تلك الفترة شهدت قرارات صارمة من شأنها تشكيل ضغط على الغرب.
ويوصي الصادي دول منطقة الخليج بأن «يدركوا أنهم بين فكي رحى صراع أميركي صيني، وحتى لا يتحولوا إلى أداة في تلك الحروب عليهم البحث عن مصادر اقتصادية بديلة علن تصدير النفط أو برامج الترفيه سواء في الرياضة أو الفن والتي تصب في حسابات الغربيين البنكية»، مدلا على ذلك «بإنفاق المليارات في مقابل توريد الملايين ما يعني خسائر فادحة».
ورقة الخليج لتحقيق الطموحات
ويشدد الصادي على ضرورة صناعة مشتقات النفط وتصديرها بدلا من تصدير المادة النفطية الخام نفسها، فضلا عن عقد (تحالفات عربية إيرانية صينية) لمواجهة المطامع الغربية في ثروات المنطقة.
وكان مجلس التعاون الخليجي قد أعلن أمس الجمعة، عن اتفاق اقتصادي ضخم قد يدفع عجلة العلاقات التجارية بين دول المجلس وهونغ كونع، مع تعزيز هذه العلاقات لفتح آفاق جديدة في المجال التجاري والاقتصادي والاستثماري، وذلك خلال لقاءء الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي مع المدير التنفيذي لمجلس تنمية التجارة مارغريت فونغ، والمديرة التنفيذية للتجارة والصناعة في هونج كونج ماجي وونغ، كل على حدة.
خلال لقائه المديرة التنفيذية لمجلس تنمية التجارة والمديرة التنفيذية للتجارة والصناعة بهونغ كونغ كلاً على حدة
الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي: دول المجلس تسعى دائماً لفتح أسواق عالمية جديدة
- تم التطرق لفكرة توقيع اتفاقية حرة بين الجانبين
https://t.co/3NNLP0jnwc#كونا pic.twitter.com/eHQo6HU0FC
— كونا KUNA (@kuna_ar) April 26, 2024
حملات المقاطعة تضرب علامات تجارية في المنطقة
ومع استمرار حرب غزة، تواجه العلامات التجارية الأميركية مثل «كوكا كولا» و«ستاربكس» حملات مقاطعة في الدول الإسلامية، حيث يشعر المستهلكون بالغضب من الدعم الأميركي الثابت للاحتلال الإسرائيلي، فبعد أن تضاعفت تقريبًا بين عامي 2017 و2022، تظهر الاستثمارات الأجنبية المباشرة السنوية في خمسة اقتصادات عربية - مصر وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة علامات تراجع ملحوظة.
ويستبعد رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات في منطقة الخليج أن يغامر القطاع الخاص في مثل هذا الوقت. وتشير ارتفاع العائدات على السندات السعودية والإماراتية منذ أكتوبر، وكذلك سعر تأمين تلك السندات ضد التخلف عن السداد، إلى قلق المستثمرين.
في حين هناك شركات حوسبة صامدة في المنطقة العربية والخليجية، إذ تخطط شركة أمازون يخطط لإنفاق ما لا يقل عن 5 مليارات دولار على مركز البيانات السعودي، بالإضافة إلى أن مايكروسوفت تواصل بناء مزارع خوادم.
المزاج العام في حالة حذر
ورغم النشاط المتباين في الشركات العاملة في الخليج فإن المزاج العام في دوائر الأعمال يشكل مصدراً للقلق، وحتى لو لم يخرج الصراع عن نطاق السيطرة، فإن التوترات قد تدفع، كما يخشى المسؤولون التنفيذيون، أن يحول حكام المنطقة الموارد بعيداً عن التنمية الاقتصادية ونحو الأمن والاستقرار، حسب «إيكونوميست».