ماذا وراء الدور الفرنسي المتصاعد في لبنان بعد حرب غزة؟
خلال السنوات الأربع الماضية، سعت فرنسا لاستكمال دورها التاريخي في لبنان، والذي ارتبط بتأثيرها السياسي منذ الاستقلال، مرورًا بمحطات عديدة كانت تشكل فيها باريس راعيًا أو مسهلاً للعديد من التسويات الرئاسية والاتفاقيات الاقتصادية.
ومنذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة لبنان، ليكون أول رؤساء الدول قدوما إلى العاصمة اللبنانية حيث التقى مع كبار المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية والجمعيات الأهلية.
ومع الفراغ الرئاسي بلبنان منذ أكتوبر 2022 بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تلعب فرنسا دورا في تقريب وجهات النظر بين الأحزاب والشخصيات المختلفة، سواء من خلال زيارات الموفدين الرسميين إلى بيروت أو عبر حضور السفارة الفرنسية ضمن اللجنة الخماسية التي تسعى لمساعدة الأطراف اللبنانية على التوافق فيما بينها على خارطة طريق لانتخاب الرئيس، والتي تضم أيضا كلا من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، دخل لبنان في مناوشات عسكرية بين جماعة حزب الله وإسرائيل، وسط تحذيرات من إمكانية اتساع رقعة الحرب، وهو ما دفع الجانب الفرنسي إلى تقديم اقتراحات لإعادة ضبط الحدود جنوبا والعودة لتطبيق القرار الدولي 1701 الذي أنهى حربا بين حزب الله وإسرائيل عام 2006.
وأوفدت فرنسا مسؤولين من الخارجية في زيارات كان أحدثها زيارة وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه الذي التقى عددا من المسؤولين اللبنانيين اليوم الأحد.
دور اقتصادي.. وآخر سياسي
توضح أستاذة العلوم السياسية ريتا حبقة في حديث إلى «وكالة أنباء العالم العربي» الركائز الأساسية التي تسعى السياسة الفرنسية لتثبيتها في لبنان وتقول «الحضور الفرنسي لا يقتصر فقط على الحراك الرئاسي من خلال اللجنة الخماسية، فالاستثمارات الاقتصادية تلعب دورا أكبر في مختلف القطاعات وخاصة مع الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019».
وتشير إلى تولي شركة (سي.إم.إيه - سي.جي.إم) الفرنسية إدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ بيروت لمدة عشر سنوات، وقالت إن هذه الشركة «تُعد شريكا سياسيا للإدارة الفرنسية وهو ما بدا واضحا في مرافقة مدير الشركة الفرنسية للرئيس ماكرون خلال زياراته إلى بيروت». وتضيف «تدخل الشركات الفرنسية في مجالات التكنولوجيا الرقمية والبريد والقطاع الزراعي والاستحواذ على المؤسسات اللبنانية التي تعاني أزمة سيولة».
وتمضي قائلة «في مجال النفط والغاز، تتولى شركة توتال الفرنسية مهمة التنقيب في الحدود الجنوبية للساحل اللبناني والتي توقفت في الأشهر الأخيرة، ولم تُصدر الشركة تقريرها الرسمي مما طرح تساؤلات عن إمكانية أن يكون الإعلان مجرد وسيلة ضغط سياسي نتيجة الحرب في جنوب لبنان».
وتواصل الحديث «لا يمكن إغفال دور فرنسا التي وجدت في الاقتصاد موطئ قدم مستمرا لها في لبنان. أما ما يتعلق بالسياسة، فهناك مراعاة دائمة للدور الأميركي، وهو ما بدا واضحا بغياب الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان خلال الأشهر الأخيرة على حساب الدور المتقدم للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين».
وفيما يتعلق باللاجئين السوريين في لبنان، قالت ريتا حبقة إن المسؤولين اللبنانيين يحاولون عبر اللقاءات مع الرئيس الفرنسي توضيح الأزمة التي تعانيها البلاد وضرورة الضغط على الاتحاد الأوروبي للمساهمة في حلها. وأشارت إلى أن فرنسا قد تسعى لتقديم مساعدات مالية للبنان لمواجهة أزمة النزوح، «ولكن تبقى هذه الأزمة مرتبطة بتخفيف الضغط على سوريا والدخول في ترتيبات أمنية واقتصادية معها، وهو لا يمكن أن يتم دون الموافقة الأميركية عليها».
علاقات تاريخية
ويرى الباحث السياسي نبيل شاهين أن فرنسا تحاول أن تستعيد دورها في منطقة شرق المتوسط من البوابة اللبنانية.
ويضيف متحدثًا إلى «وكالة أنباء العالم العربي» أن «دور باريس تراجع في المنطقة منذ عقود على حساب الحضور الأميركي الأكثر فاعلية وتأثيرا في المنطقة. ولأن فرنسا لها علاقات جيدة مع لبنان، فهي تسعى أن تكون بيروت محطة أساسية لها لا تتخلى عنها».
ويستطرد: «في سوريا لا وجود للدور الفرنسي منذ عام 2011، إنما التأثير يكون لروسيا على الساحل السوري مع القواعد العسكرية البحرية، كما هو دور تركيا في شمال سوريا وأميركا في شرقها. وفي إسرائيل تبقى أميركا هي الحليف الأقوى على الرغم من العلاقات القوية التي تجمع تل أبيب وباريس».
ومن ثم لم يبق إلا لبنان هو الساحة التي تستطيع فرنسا من خلالها أن تكون شريكا في ملفات المنطقة، بحسب شاهين.
ويمضى قائلا: «على الرغم من التباينات السياسية، تبقى باريس محافِظة على خطوط تواصل مع إيران وحزب الله، وهو ما بدا واضحا خلال زيارات الرئيس الفرنسي إلى بيروت والمسؤولين الفرنسيين، فهم يلتقون مع ممثلي حزب الله في المجلس النيابي، ما يعتبرونه طريقا للتواصل مع إيران في الوقت نفسه». وتابع «لا تمانع أميركا من تواصل باريس مع حزب الله، إذ تعتبره سبيلا غير مباشر لتبادل الأفكار معهم عبر فرنسا».
وفيما يتعلق بالملف الرئاسي، يعتبر شاهين أن فرنسا حاولت أن تلعب دورا في تقريب وجهة النظر بين حزب الله والمعارضة، وتحدثت وسائل إعلامية عن طرح إمكانية تولي سليمان فرنجية مرشح حزب الله رئاسة الجمهورية ونواف سلام رئاسة الحكومة. ويترأس سلام محكمة العدل الدولية حاليا.
ويقول شاهين «لم تستطع باريس الوصول إلى نتيجة بالملف الرئاسي، وإنما تحوَّل الأمر إلى نوع من التنافس غير المعلن بين أعضاء اللجنة الخماسية، فكل طرف منها يؤيد مرشحا مختلفا عن الآخر».
ويلفت إلى أن الشغور الرئاسي يجيء اليوم في أوضاع معقدة وبخاصة مع الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها الإقليمية.
حرب الجنوب
تقدمت فرنسا في فبراير شباط بورقة سياسية للتهدئة بين حزب الله وإسرائيل تشمل عدة نقاط منها نشر الجيش اللبناني جنوبا وقف العمليات العسكرية في الجنوب وتطبيق القرار الدولي 1701.
ويقول شاهين إن الحرب في جنوب لبنان بدَّلت الأولويات الفرنسية «فالتهدئة تقدمت في الأجندة على الملف الرئاسي».
وتابع «الورقة التي تقدمت بها فرنسا سقطت بمجرد عرضها، فهي تحمل عنوان تدابير أمنية بين لبنان وإسرائيل، وهو ما أثار الشبهات لدى الدوائر الرسمية في لبنان ومن خلفها حزب الله حول جديّة الطرح والثغرات الموجودة في بنوده التي اعتُبرت أن بها ميلا أكبر لمصلحة إسرائيل».
ويشير إلى أن الورقة لم تكتسب أهمية لأن الجانب الأميركي لم يتبناها، وقال «لا الجانب الإسرائيلي ولا الجانب اللبناني سيتجاوز دور الوسيط الأميركي آموس هوكستين الذي يتولى الوساطة بين الطرفين». ويرى شاهين أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي والحديث عن تعديلات على الورقة المقترحة سابقا «لن تكون لها نتائج ملموسة على الأرض».
ويقول «الميدان في جنوب لبنان مرتبط بالحرب على غزة، والمرحلة اللاحقة بحال وقف إطلاق النار لن تكون مجرد إعادة ترتيبات أمنية، إنما قد تفتح إمكانية التواصل للانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة جنوبا وإعادة ترتيب الوضع العسكري لحزب الله والجيش اللبناني».
اقرأ أيضًا:
مهمة فرنسية في لبنان لتجنب «السيناريو الأسوأ»
ألقوا أسلحتكم.. نداء عاجل من اليونيفيل إلى طرفي النزاع في لبنان
خليجيون| اجتياح لبنان مغامرة أم انتحار إسرائيلي؟.. خبير يوضح