استعدادات مبكرة لـ«رئاسيات الجزائر»: موازين قوّة الأحزاب تُرجّح كفّة تبّون
بدأت أحزاب سياسيّة جزائريّة على نحو مبكر استعداداتها لحملات الدعاية للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السابع من سبتمبر القادم، دون حتّى إعلان غالبيّة تلك الأحزاب أسماء مرشحيها أو المرشحين الذين ستدعمهم، أو أن تكتمل قائمة المرشحين المؤكدين الذين سيخوضون السباق على الفوز بأكبر منصب في البلاد.
وكان الرئيس الجزائريّ عبد المجيد تبّون قد قرر استدعاء الهيئة الناخبة لانتخابات الرئاسة في الثامن من يونيو حزيران المقبل لإجراء الانتخابات. في أعقاب ذلك، بدأت الأحزاب التي أعلنت مشاركتها في تلك الانتخابات مشاورات داخلية لتحديد مرشّحيها.
في انتظار إعلان ترشح تبون
وقبل نحو شهر من استدعاء الهيئة، ما زال المراقبون للشأن السياسي الجزائري ينتظرون أن يُعلن تبّون ترشّحه لفترة رئاسيّة ثانية، في وقت لم يحسم فيه بعد غالبية الأطياف السياسيّة كيفية المشاركة في هذا الاستحقاق، بينما تترقب الطبقة السياسية إعلان تبون الترشح.
ونقلت وكالة أنباء العالم العربي غن مصادر برلمانيّة القول إنّ «المشهد السياسيّ في الجزائر يُشير إلى تنافس أربعة مرشّحين من الأحزاب بالإضافة إلى تبّون، الذي من المتوقّع أن تدعمه أربعة أحزاب ذات ثقل سياسي كبير، وهو ما يجعل حظوظه أوفر بموازين قوة الأحزاب، فضلا عن وجود مرشّح آخر محتمل تدعمه أحزاب أقل حجما ومنظّمات مجتمع مدنيّ».
وتوقّعت المصادر ذاتها، والتّي طلبت عدم الكشف عن هويّاتها، أن يُعلن كلُ من (جبهة التحرير الوطني) و(التجمّع الوطني الديمقراطي) و(جبهة المستقبل) و(حركة البناء الوطني) في وقت لاحق دعمهم ترشّح تبّون لولاية ثانية.
وتسيطر (جبهة التحرير الوطني) على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، بواقع 98 مقعدا، بينما يحتل (التجمع الوطني الديمقراطي) المرتبة الثالثة من حيث التمثيل في البرلمان بسيطرته على 58 مقعدا، في حين تأتي (جبهة المستقبل) في المرتبة الرابعة بسيطرتها على 48 مقعدا. أمّا (حركة البناء الوطني) فهي صاحبة المرتبة الخامسة بعدد مقاعد يبلغ 39 مقعدا.
لكنّ في الوقت ذاته، ذكرت تلك المصادر أن شكّل الدعم الذي ستقدمه هذه الأحزاب للمرشح المحتمل، والذي لم يتحدد بعد، سيكون وفقا لما تقرره المؤسسات القيادية في كلّ حزب.
مرشّحون محتملون
ومن المنتظر أن تعقد كل الأحزاب المعنيّة بالموعد الانتخابي اجتماعات مجالسها الوطنية أو لجانها المركزية أو مجالس الشورى التابعة لها في أواخر مايو الجاري أو بداية يونيو المقبل، لحسم قرارها النهائي بشأن الانتخابات الرئاسيّة. وذكرت المصادر أنّ حركة (مجتمع السلم) من المتوقع أن ترشّح رئيسها عبد العالي حساني شريف، وأن يرشّح حزب (العمال) أمينته العامة لويزة حنون، ويرشّح حزب (صوت الشعب) رئيسه لمين عصماني، أيضا، من المحتمل أن يرشّح تجمع (أمل الجزائر) رئيسته، وزيرة البيئة السابقة فاطمة الزهراء زرواطي.
بالإضافة إلى هؤلاء، فقد سبق أن أعلن بلقاسم ساحلي عزمه الترشّح عن حزبه (التحالف الوطني الجمهوري) مدعوما بتحالف (تكتّل أحزاب الاستقرار والإصلاح)، الذي يضم أيضا حزب (التجديد والتنمية) و(الجبهة الديمقراطية الحرّة) و(الحركة الوطنيّة للطبيعة) وحزب (التجديد الوطني).
وكانت الناشطة زبيدة عسول، التي دافعت كمحامية عن معتقلين من ناشطي حراك عام 2019، أوّل شخصيّة تُعلن عزمها الترشّح للاستحقاق الرئاسي، لكن مصادر توقّعت ألّا تتمكن من جمع التوقيعات التي يشترطها قانون الانتخابات لتقديم ملفّ ترشّحها.
الإسلاميون بين المنافسة والتأييد
ويبرُز في تلك الحسابات دوران للأحزاب الإسلامية، الأّول دور المنافس، والذي ستلعبه حركة (مجتمع السلم)، أمّا الدور الثاني فهو دور المساندة، وستلعبه حركة (البناء الوطني). وكلاهما أكبر كتلتين للإسلاميين في المشهد السياسي الجزائري.
أما جبهة (العدالة والتنمية) التي يترأسها الشيخ عبد الله جاب الله، فتغيب منذ مدة عن إبداء رأيها في المسائل السياسية الوطنية، ويعيش رئيسها في معزِل عن القضايا السياسيّة، متفرغا للتنظير في المسائل الفكرية. لذلك، فإن المصادر تستبعد هذه الجبهة من الحسابات.
وبالنسبة لحركة (النهضة) فإنّ وزنها السياسيّ لا يجعل منها لاعبا مهما للسلطة، وفقا لتقديرات المصادر. ويرى رئيس حركة (مجتمع السلم) السابق عبد الرزاق مقري أن السلطة الحاكمة ترتّب حاليا مع سياسيين في الموالاة والمعارضة لإنجاح الانتخابات الرئاسية بهدف تحقيق "مشاركة شعبية مقبولة.. .من خلال تشجيع البعض لدعم مرشّحها وتشجيع البعض الآخر للترشح كأرانب سباق، وتَعِد هؤلاء بأشياء وهؤلاء بأشياء"، وفقا لما ذكره في منشور على (فيسبوك).
وكان مقري يسعى للترشّح للانتخابات الرئاسيّة، وفق ما أبلغت به مصادر مسؤولة في الحركة وكالة أنباء العالم العربي طالبة عدم الكشف عن هويّاتها، لكن النقاش الذي دار في صفوف قواعد الحركة حسم المسألة لصالح ترشيح حساني شريف، الرئيس الحالي للحركة.
وتعدّ حركة (مجتمع السلم) من الناحية الشكليّة أقوى حزب سياسي معارض، كونها تحتل المرتبة الثانية من حيث التمثيل البرلماني بعدد مقاعد يبلغ 65 مقعدا. وكان هناك تيّار يُريد العودة بالحركة إلى التحالف مع القوى الداعمة لتبون، تزعّمه الرئيس الأسبق للحركة أبو جرة سلطاني.ويشغل سلطاني منصب سيناتور بمجلس الأمة عن الثلث المعيّن من قبل رئيس الجمهورية، والمعروف عند السياسيين بالثلث الرئاسي.
وبالنسبة لحركة (البناء الوطني)، وهي القوة الإسلامية الأخرى التي أسندت لها مهمّة الموالاة للسلطة الحالية وفق تقديرات مصادر وكالة أنباء العالم العربي، فقد أكّد رئيسها عبد القادر بن قرينة في تجمع دعائي للحركة يوم السبت الماضي دعمها استقرار الجزائر الجديدة. وفسّرت تقارير إعلاميّة هذا التصريح بأنّه اختار دعم تبون، الذي يحمل شعار الجزائر الجديدة.
وقال نائب رئيس الحركة أحمد الدان في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ الحركة في وضعها الطبيعي «بحيث تدعم الرئيس وبرنامجه وتُشارك في التحالف الحكوميّ». لكنه اعتبر أن «تفسير تصريحات رئيس الحركة على أنها دعم لتبون إذا ترشح "أمر سابق لأوانه، كون الرئيس لم يُعلن ترشّحه بعد ومجلس الشورى الوطني للحركة لم ينعقد بعد لإعلان كيفية المشاركة في الانتخابات الرئاسيّة».
وأوضح الدان أن «خيار دعم تبّون من الخيارات القوية المطروحة للنقاش داخل صفوف الحركة "إذا استطاع هذا الخيار أن ينال موافقة مجلس الشورى الوطني».
غير أن مصادر وكالة أنباء العالم العربي أكدت أنّ قيادة حركة (البناء الوطني) حسمت أمرها وستدعم تبون، مشيرة إلى أن بن قرينة يفضّل الحفاظ على رصيده المحقق في الانتخابات الرئاسيّة الماضية من أجل «مقايضة دعمه للرئيس بالمشاركة في الائتلاف الحكومي المقبل وادّخاره للانتخابات البرلمانية المقبلة».
وفي الانتخابات التي أجريت في 12 ديسمبر 2019، حل بن قرينة في المركز الثاني بعد تبّون، حين حصل على مليون و477 ألفا و836 صوتا، تعادل 17.38% من الأصوات.
الأحزاب تستعدّ للمرحلة المقبلة
وبينما تُحاول حركة (البناء الوطني) استثمار مساندتها لتبّون استعدادا لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسيّة، فإن أحزابا أخرى بدأت تعدّ حسابات المتوقع للمرحلة المقبلة. وقالت قيادات في جبهة (التحرير الوطني) و(التجمع الوطني الديموقراطي) صراحة إن الانتخابات الرئاسيّة المقبلة ستكون فرصة لاستعادة الأحزاب ريادتها في المشهد السياسي.
وبحسب مصادرنا، فإن هذه الحسابات جعلت جبهة (القوى الاشتراكية) أيضا تراهن على عدم مقاطعة الاستحقاق الانتخابي مقابل استعادة مكانتها في منطقة القبائل، وفقا لما أوضحته المصادر.
وبينما تستبعد المصادر أن تشارك جبهة (القوى الاشتراكيّة) بمرشح أو حتّى التحالف مع السلطة، فقد استبعدت أيضا أن تدعم الجبهة أيا من مرشحيّ المعارضة التي أعلنت مشاركتها في الانتخابات الرئاسيّة، والمتمثلة في حركة (مجتمع السلم) و(حزب العمال)، وقالت إن الجبهة ستكتفي بمباركة الانتخابات.
وتوضح المصادر أنّ الجبهة لن تدعم مرشّح السلطة لأن خطها معارض، بينما لن تدعم مرشحي المعارضة لأن الأول إسلامي يتنافى مع عقيدتها السياسية الاشتراكية بينما مرشحة حزب العمال تشترك مع الجبهة في التوجه الاشتراكي لكنها تنافسه في مجال انتشاره في منطقة القبائل.
وتبقى كلّ هذه الحسابات مرهونة بإعلان تبون ترشّحه لولاية ثانية. وحول سبب عدم إقدامه على هذه الخطوة حتى الآن، قال النائب بالبرلمان عن (التجمع الوطني الديموقراطي) الصافي لعرابي لوكالة أنباء العالم إنّ الرئيس تبون «لديه 45 التزاما أمام الرأي العام، والرئيس قبل أن يفكّر في عهدة ثانية يفكر في تقديم حصيلة نشاطه».
اقرأ المزيد:
علاء مبارك يفتح النار على تكوين الفكر العربي بـ«إزازة بيرة»