الأزمة الاقتصادية لا ترحم «الأكلات الشعبية» في لبنان
أمام مخبز لصنع المعجنات في العاصمة اللبنانية بيروت، تنتظر مارلين سليمان طويلا للحصول على طلبها شراء أربعة أصناف من مناقيش الزعتر والجبن، فمثل هذه المخابز لم تعُد تجهز المنتجات إلا بعد تلقي الطلبات.
تقول مارلين (50 عاما) «شراء المعجنات كان شبه يومي في بيتنا عندما كان سعر منقوشة الزعتر 750 ليرة قبل الأزمة، أما حاليا فيَصل السعر لحوالي 150 ألف ليرة. ومنقوشة الجبن كان سعرها ألفي ليرة، لكنه الآن يتجاوز 200 ألف ليرة». وتتابع «أُسرتنا تتكون من 4 أفراد، فلو أردنا شراء منقوشة جبن لكل شخص فقد يصل السعر لمليون ليرة، بينما كان سابقا لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة».
وتضيف قائلة لوكالة أنباء العالم العربي إن المشكلة لا تكمن في ارتفاع الأسعار وحسب، وإنما أيضا في انحسار الدخل المادي للأُسر مما حوَّل مثل هذا الطعام الشعبي الذي كان يعتمد عليه البسطاء لانخفاض سعره إلى سلعة مكلفة. قالت «نضطر حاليا لتخفيض عدد مرات شرائه في الشهر».
ارتفاع الأسعار في لبنان
يدخل إلياس خوري، صاحب المخبز الواقع في منطقة فرن الشباك ببيروت، على خط الحديث ليوضح سبب ارتفاع الأسعار وكيف أثَّرت الأزمة المالية على عمله. ويواصل حديثه «سعر طن القمح عام 2019 كان حوالي 250 دولارا، واليوم يصل سعره لحوالي 400 دولار. وسعر أسطوانة الغاز كان 14 ألف ليرة فيما حاليا حوالي مليون ليرة».
ويتابع «كنا نبدأ عملنا الساعة 5:30 فجرا لتحضير الفرن والعجين والبدء بالعمل، فكنا نحضّر المعجنات بكميات كبيرة لأننا نعلم أننا سنبيعها بحلول الثامنة صباحا. أما حاليا فلا نقوم بالتحضير مسبقا بل ننتظر طلب الزبون، لأن الكميات الكبيرة إن لم تباع فستكون هدرا وخسارة».
في العام الماضي أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) منقوشة الزعتر على لائحتها للتراث غير المادي للبشرية بناء على الطلب المقدَّم من لبنان في مارس 2022. وقال خوري «أخاف إن ارتفعت الأسعار أكثر أن تصبح المنقوشة من التراث والماضي فعلا».
الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019 لم تشمل فقط المصارف والشركات الكبرى، إنما امتد أثرها إلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطن العادي بتراجع قدرته الشرائية. ورفعت الحكومة اللبنانية في فبراير شباط الماضي الحد الأدنى للأجور في القطاع العام من 150 دولارا إلى 400 دولار شهريا، على أن يكون الحد الأقصى 1200 دولار.
طعام الفقراء
يحتفظ محمد إسماعيل، صاحب محل بيع الفلافل في منطقة البربير ببيروت، بلائحة أسعار المأكولات لسنة 2019. وحين يطّلع عليها الزبائن تتملكهم الصدمة من هذا التبدُّل الكبير في قيمة الأطعمة.
وقال إسماعيل لوكالة أنباء العالم العربي «سعر السندويش كان ألف ليرة فقط، يحتوي على 4 أقراص مع خضار، وإن أراد الزبون شراء عشرة أقراص فكلفتها ألف ليرة. أما اليوم، فشراء 15 قرصا يكلف حوالي 300 ألف ليرة، والسندويشة الواحدة حوالي 200 ألف ليرة».
ويواصل حديثه «سعر صحن الفول عام 2019 كان خمسة آلاف ليرة، والحمص حوالي سبعة آلاف، وصحن الفتة (الخبز المحمص والحمص الحب وزيت الزيتون) عشرة آلاف ليرة، لكن الأسعار تضاعفت بقوة، فالفول 150 ألف ليرة، والحمص 200 ألف ليرة، والفتة 300 ألف ليرة».
واستطرد «العائلة كانت تستطيع بمبلغ 50 ألف ليرة أن تؤمّن غذاء بوجبات متنوعة وبكميات كافية، في حين أن هذا المبلغ لا يكفي حاليا لشراء ربطة خبز واحدة».
في الحي المجاور محل لبيع شطائر الشاورما التي تراجع بيعها بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن. ويوضح صاحب المحل غالب رضا أن سعر كيلو لحم العجل وصل إلى حوالي 12 دولارا.
ويضيف «حاليا يبلغ سعر ساندويش شاورما الدجاج المتوسط الحجم حوالي 450 ألف ليرة، فلو أرادت عائلة طلب 4 سندويشات مع مشروبات غازية فالكلفة ستتجاوز المليون ونصف ليرة لبنانية، فيما كان السندويتش عام 2019 لا يتجاوز 4 آلاف ليرة، فكانت العائلة تستطيع بحدود 20 ألف ليرة أن تؤمّن وجبة كاملة».
تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان
وصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ عام 2019 بأنها من بين الأسوأ في العالم، وقد أدت إلى أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة، ولم يعد بإمكان المودعين معها الوصول إلى مدخراتهم في البنوك، وفقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها.
ويوضح الباحث الاقتصادي كامل الزين لوكالة أنباء العالم العربي سبب ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في لبنان، ويقول «وفقا للتقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي التابع لرئاسة الحكومة اللبنانية، فإن التغير في مؤشر السلع في مارس 2024 بلغ 70% مقارنة بشهر مارس 2023، وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية في مارس 2024 بنسبة 1.72% مقارنة بشهر فبراير 2024».
"هناك عامل مؤثرة على أسعار السلع والمواد وخاصة أننا نستورد 80% من حاجتنا، فالضرائب والرسوم الجمركية كانت تُحسب على 1500 ليرة بالنسبة للدولار الواحد، بينما الآن قيمتها 89500 ليرة لبنانية، تضاف إليها ضريبة على القيمة المضافة".
ويمضي قائلا «خلال الأشهر السبعة الأخيرة ارتفعت قيمة تكاليف الشحن مع الأحداث الدائرة في البحر الأحمر، لترتفع بوليصة التأمين بالنسبة للشركات المستوردة. وعلى الرغم من الارتفاع القليل في التكاليف، تَشَكَّلت لدى التجار حالة خوف من عدم استقرار الأوضاع والتأخر في تسليم بضائعهم». ويرى الزين أنه مع غياب الرقابة على التجار والمحال التجارية، فإن ارتفاع الأسعار أمر منطقي.
وقال «وزارة الاقتصاد ترسل لجانا وتسطر محاضر ضبط بحق المخالفين، لكن نتيجة الأزمة المالية التي تعيشها الدولة فإنها لا تملك العدد اللازم من العاملين القادرين على الوجود بالأسواق كافة». ويضيف «حين يصل انعدام الأمن الغذائي إلى موائد العوائل متوسطة الدخل والفقيرة، نكون أمام مرحلة خطرة تهدد الأمن الاجتماعي وتوسّع الفجوة بين الطبقات».
اقرأ المزيد
شاهد: حضور نسائي طاغ في انطلاقة مهرجان كان 2024