ماذا يعني تراجع ديون العراق الخارجية وارتفاع «المحلية»؟
قطع العراق خطوات كبيرة في سداد ديونه الخارجية، غير أنه لا يمضي بنفس الوتيرة في سداد الديون المحلية التي تراكمت إلى مستوى لم يعهده منذ 2003.
لكن على الرغم من الارتفاع غير المسبوق في الدين الداخلي إلى أكثر من 70 تريليون دينار (الدولار = 1300 دينار)، يرى اقتصاديون أن الاقتراض الداخلي لا ينطوي على نفس خطورة «الخارجي»، نظرا لأن أغلب الديون الداخلية هي أموال الدولة.
وبينما أعربت اللجنة المالية النيابية عن ارتياحها لتناقص الدين الخارجي لأنه يمنح العراق فسحة للاستقرار المالي، فقد طالبت اللجنة الحكومة بضرورة الوفاء بالتزاماتها بشأن الدين الداخلي، لاسيما بعد تأكيدها على الوفرة المالية في البلاد.
ويقول الخبير المالي أحمد التميمي لوكالة أنباء العالم العربي «الدين الخارجي للعراق انخفض خلال الآونة الأخيرة، وهذا بسبب التزام البلاد في تسديد تلك الديون لا سيما مع الارتفاع الجيد لأسعار بيع النفط، وهو ما ساعد في إطفاء تلك الديون بسرعة أكبر».
وفيما يتعلق بالديون الداخلية قال التميمي «هذه الديون كلها داخل الدولة العراقية، أي أنها تعود لوزارة المالية والمصارف الحكومية، والحصة الأكبر هي للبنك المركزي العراقي، ولذا يظهر هناك تماهل في تسديد تلك الديون، وتوجيه الاهتمام بشكل أكبر إلى الديون الخارجية، والالتزام بتسديدها وفق الاتفاقات».
وتابع قائلا «الدين الداخلي وفق آخر المعلومات تجاوز حاجز 70 تريليون دينار، وهو الأعلى في تاريخ العراق، إذ يمثل ما يقارب 20% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق، وهو ما يوجب الالتزام بتسديد تلك الديون أيضا، أسوة بالديون الخارجية، فهي مؤشر سلبي على طبيعة الاستقرار المالي والاقتصادي العراقي».
وفي أبريل الماضي، أعلن العراق انخفاض الدين الخارجي إلى نحو تسعة مليارات دولار خلال العام الحالي. وقال المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، إن سلسلة من الإجراءات التنفيذية التي اتخذتها الحكومة انتهت إلى تقليل الدين العام الخارجي بنسبة تتجاوز الخمسين بالمئة، لينخفض الدين من 19.729 مليار دولار في أواخر عام 2022، إلى 15.976 مليار دولار في عام 2023، وصولا إلى ما يقارب 8.9 مليارات دولار في العام الحالي.
خطوة مهمة في العراق
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي، علاء جلوب أن انخفاض الدين الخارجي إلى نحو تسعة مليارات دولار خلال العام الحالي «خطوة اقتصادية مهمة للعراق، وهو دليل على الاستقرار المالي والاقتصادي في هذه الفترة، وستكون لهذه الخطوة نتائج إيجابية مالية واقتصادية».
وأرجع جلوب في حديث لوكالة أنباء العالم العربي ارتفاع الدين الداخلي للبلاد إلى «وجود مشاريع مهمة واستراتيجية تقوم بها الحكومة الحالية، وهذا لا يعد مؤشرا سلبيا، ما دام هناك عمل على أرض الواقع، فالأموال لا تصرف ضمن الموازنة التشغيلية فقط كرواتب وغيرها، إنما في بنى تحتية وحاجات ضرورية».
وقلل الخبير الاقتصادي من خطورة الديون الداخلية وتأثيرها على الاستقرار المالي والاقتصادي العراقي، وقال إنها "ديون مؤسسات الحكومة نفسها، خصوصا وأن أكثر من 62% منها تعود للبنك المركزي العراقي كالتزامات على المؤسسات الحكومية، وهناك توقيتات لتسديد تلك الديون، خاصة بعد الانخفاض الكبير في الدين الخارجي".
وأفادت دراسة لمؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية، بأن الدين الداخلي العام للحكومة تجاوز حاجز 70 تريليون دينار في نهاية 2023 ليرتفع بمقدار 1.5 بالمئة مقارنة مع 2022، وهو أعلى رقم يصله الدين الداخلي للعراق منذ سنة 2003.
والدين الداخلي هو الأموال التي تقترضها الحكومة من الأفراد والمؤسسات لمواجهة أحوال طارئة، وذلك عندما لا تكفي الإيرادات لتغطية النفقات العامة.
ويتفق الباحث المالي، عبد الرحمن المشهداني، مع تلك الرؤية قائلا «الدين الداخلي وبالرغم من ارتفاعه، إلا أنه لا يشكل أي خطورة اقتصادية، لكن الخطورة في تفاقم الدين الخارجي، فالأخير ربما يضع البلاد في مواقف قد تصل إلى حد التدخل الخارجي السافر في القرارات الحكومية والشأن الداخلي».
الاقتصاد في العراق.. وفرة مالية
وحول طبيعة الديون الخارجية، أضاف المشهداني لوكالة أنباء العالم العربي «أغلب الديون الخارجية طويلة الأمد، إذ ينتهي معظمها في سنة 2045 وبعضها في سنة 2043، وأغلبها ذات فوائد منخفضة، والعراق يمكنه أن يسدد تلك الديوان في فترة أقل بكثير، خاصة مع وجود وفرة مالية بسبب الارتفاع في أسعار النفط، بفارق كبير عما هو مثبت ضمن الموازنة العامة».
ووفقا للمستشار المالي مظهر محمد صالح، فإن 63% من الدين العام الداخلي هو بحوزة البنك المركزي العراقي، ويمثل موجودات محلية في هيكل الميزانية العمومية للبنك، والمتبقي من الدين الداخلي هو بحيازة المصارف الحكومية الثلاثة الرئيسة بفائدة سنوية بين 2-3%.
كان صالح، قد رجح في بداية العام الحالي، ألا يتجاوز الدين الخارجي للعراق حتى العام 2028 حاجز 21 مليار دولار، مؤكداً أن الجدارة الائتمانية للبلاد في درجة عالية من الموثوقية وهو ما وضع العراق في مرتبة تصنيف مستقرة، في حين أشار إلى أن تراكم الديون جاء نتيجة تعرض الاقتصاد الوطني لصدمتي هجوم داعش على البلاد في 2014، وجائحة كورونا 2019.
من جانبه، كشف عضو اللجنة المالية البرلمانية، جمال كوجر، لوكالة أنباء العالم العربي عن أن هناك مناقشات تجري مع الجهات الحكومية لمعرفة أسباب ارتفاع الدين الداخلي خلال السنتين الأخيرتين وعدم سداد الديون، رغم التأكيدات الحكومية على الوفرة المالية.
وقال كوجر «العراق نجح بشكل كبير في خفض الدين الخارجي بنسبة تصل إلى ما يقارب 50%، وهذا الأمر إيجابي على الوضع المالي والاقتصادي العراقي، كونه دينا خارجيا واجب التسديد وفق توقيتات محددة، عكس الدين الداخلي الذي يحتوي على فسحة زمنية أكبر».
وعبر كوجر عن اعتقاده بأن العراق في المرحلة المقبلة سوف يتجه نحو الاستقرار المالي بشكل أكبر من خلال «الخلاص من الديون الخارجية، لكن بمقابل ذلك يجب أن تكون هناك حلول وتسويات للديون الداخلية وتسديد جزء منها وإيقاف ارتفاعها بهذا الشكل الكبير».
اقرأ المزيد:
«الشكوك تسبق الصندوق».. انتخابات الرئاسة الموريتانية في عهدة مُدان بالفساد