تحذيرات من فراغٍ سياسيّ أوسع في لبنان
منذ الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان اللبنانيّ في يونيو من العام الماضي لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس السابق ميشال عون، شهدت المنطقة تحولات سياسية وأمنية أفرزتها العدوان الإسرائيلي على غزّة وما تبعها من مناوشات عسكرية بين جماعة حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
هذه التطورات الأمنية والعسكرية دفعت حركة المبعوثين الدوليين إلى التركيز أكثر خلال الفترة الأخيرة على مساعي تحقيق الانضباط في الجبهة الجنوبية للبنان ومنع اتساع رقعة الصراع.
في المقابل، بقي الحراك الخارجي بشأن ملف منصب الرئيس الشاغر منذ أكتوبر 2022 مرتبطا بحركة سفراء اللجنة الخماسية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر المملكة العربية السعودية.
وخلال الأيام الماضية، كان المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في زيارة للعاصمة اللبنانية بيروت، هي السادسة بعد زيارة ديسمبر الماضي. وكان الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أجرى أولى زياراته في يوليو تموز، في أعقاب بدء مهمته العام الماضي.
شملت هذه الجولة الجديدة لقاءات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، في مقدمتهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، واختتمها المبعوث الفرنسيّ باجتماع مع سفراء اللجنة الخماسيّة المعنيّة بالمساهمة في تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
التقى المبعوث الفرنسي أيضا كلّا من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، والنائب السابق وليد جنبلاط، ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، كما اجتمع مع عدد من الكتل النيابية، منها كتل (الوفاء للمقاومة) و(الاعتدال الوطني) و(الكتائب).
لا تقدّم ملحوظا في لبنان
أخفق مجلس النواب اللبناني عدة مرّات في انتخاب رئيس للبلاد، منذ انقضاء ولاية عون في أكتوبر تشرين الأول 2022، وظل المنصب شاغرا منذ ذلك الحين.
ووفقا للدستور اللبناني، فإن انتخاب رئيس للجمهورية يستوجب حضور ثلثي أعضاء البرلمان، أي 86 نائبا من أصل 128، جلسة التصويت. لذلك، يستطيع 43 نائبا فقط أن يعطّلوا اكتمال نصاب الجلسة، وهو ما حدث في الجولة الثانية.
وفي آخر جلسة عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيس للبلاد، حصل الوزير السابق جهاد أزعور، مرشح قوى المعارضة ومنها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وبعض المستقلّين، على 59 صوتًا، في المقابل، حصل الوزير السابق سليمان فرنجية المدعوم من جماعة حزب الله وحركة أمل وكتل نيابية أخرى على تأييد 51 صوتا.
وقال النائب محمد يحيى، عضو تكتّل (التوافق الوطني)، في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي إنّ «فرنسا تسعى عبر علاقاتها الداخلية اللبنانية إلى أن تبذل جهودا لتثبيت وجودها.. .ولكن ليس هناك تقدما ملحوظا في المرحلة الحالية».
واعتبر أن عدم القدرة على انتخاب رئيس يعود لأسباب داخلية، حيث إن «التيارات السياسية كل منها في خندق ومتمسك برأيه، في حين المطلوب إنتاج رئيس بأقرب وقت وليس الانقسام.. .عدم وجود تقدّم، كون المطلوب أن نملك رأيا داخليا وتوافقا خارجيا، وهذا غير متوفر».
مخاطر استمرار الفراغ اللبناني
يخشى يحيى من استمرار الفراغ السياسي الذي سببه شغور منصب الرئيس، بل واتساعه، إذا استمرت المعطيات الحالية على وضعها، وقال «بهذه العقليّة، لن يكون لنا رئيس، وبحال استمر الفراغ للعام المقبل، فستكون البلاد قد دخلت في أكثر من مشكلة».
أضاف «نحن لم نستطع إجراء انتخابات بلديّة هذا العام، وإذا تأجّل انتخاب رئيس سنة إضافية، فسنكون قد اقتربنا من الانتخابات النيابيّة،
فكيف يمكننا السير بكل هذه الملفات؟».
وتجرى الانتخابات النيابية في لبنان كل أربع سنوات، وكان آخرها عام 2022، وهي الانتخابات التي أفرزت البرلمان الحالي. وسيكون موعد الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026.
ويرى النائب اللبناني أن المطلوب في الوقت الراهن هو «التوافق بين الكتل النيابيّة، في هذه الحالة لن تطلب منّا الدول الخارجيّة عدم انتخاب رئيس».
وكان تكتّل (الاعتدال الوطني) قد أطلق في مارس الماضي مبادرة تقوم على مرحلتين، تبدأ بدعوة ممثّلي الكُتّل النيابيّة إلى جلسة تشاوريّة للتوافق على اسم رئيس جديد للبلاد أو عدد معين من الأسماء قبل أن يطلبوا من برّي الدعوة إلى عقد جلسة الانتخاب.
والتقى التكتّل وقتها مع ممثلي الكتل النيابية لإيجاد صيغة عملية لتنفيذ هذا الطرح، لكن لم يتم التوصل إلى نتيجة بعد، وسط تبادل للاتهامات بين الأحزاب السياسيّة بشأن المسؤوليّة عن وضع عقبات أمام حلّ أزمة شغور منصب الرئيس.
لبنان وإرادة غائبة
وقال النائب أحمد رستم، عضو تكتل (الاعتدال الوطني)، في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن لودريان «كان مستمعا أكثر ممّا تكلّم» خلال الاجتماع مع التكتل يوم الأربعاء في مقر السفارة الفرنسية ببيروت. أضاف «وضعناه بأجواء مبادرة الاعتدال الوطني والعقبات التي نواجهها، في من سيترأس الجلسة ومن سيدعو إلى الحوار.. .أكّدنا على ضرورة التعاون المشترك معه ومع اللجنة الخماسية لضمان الاستمرار بالمبادرة والوصول إلى انتخاب رئيس».
ووفقا لرستم، فإنّ الموفد الفرنسي وعد باستكمال جولاته على كافّة الكتل النيابية «لتجاوز العقبات». وأردف قائلا «نحن نعمل وكأنّ انتخاب رئيس الجمهورية سيكون غدا، لكن يبدو أنّ الأمر مرتبط بالوضع الإقليمي، وهي ليست المرة الأولى، فتركيبة لبنان منذ زمن ترتبط بانتظار إشارة خارجيّة». وتابع «لو كان هناك اندفاع لدى المجلس النيابي لاستطعنا انتخاب رئيس، فلا يستطيع أحدٌ الوقوف بوجه الكتل النيابيّة بحال قرّرت إجراء الانتخابات، لكن الإرادة ليست موجودة داخليّا». أضاف «في المرحلة المُقبلة.. .نحن أمام قمة فرنسيّة أميركيّة، وانتخابات رئاسيّة أميركيّة، وتفاوض أميركيّ إيراني بسلطنة عمان، إضافة إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.. .وبحال إعلان الهدنة في غزة، فهذا سينعكس إيجابا على الملف الرئاسيّ اللبنانيّ».
من جهة أخرى، ذكرت قناة (الجديد) اللبنانيّة أنّ جماعة حزب الله أكّدت من خلال محمد رعد رئيس كتلة (الوفاء للمقاومة)، الجناح السياسيّ للجماعة اللبنانيّة المسلّحة، خلال اجتماعه مع لودريان على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي وأن هذا الأمر لن يتمّ إلا من خلال “حوار جديّ بين كل الأطراف وبرئاسة برّي”.
في المقابل، أكد النائب سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب، على ضرورة وجود ما وصفها بالضمانات، بغضّ النظر عن شكل الحوار والمناقشات، وفقا لما ذكرته الوكالة الوطنيّة اللبنانيّة للإعلام. وتساءل الجميل «هل هناك التزام من الرئيس برّي بالدعوة لجلسة مفتوحة بدورات متتالية بغض النظر عن نتائج الحوار؟» فيما اعتبر الضمانة الثانية المطلوبة هي حضور من سمّاهم «نواب الممانعة» الجلسة، في إشارة إلى نوّاب جماعة حزب الله.
اقرأ المزيد:
«غولدمان ساكس» يتوقع تمديد تخفيضات إنتاج النفط
خليجيون| ما سيناريوهات رد فعل إيران على صفقة بايدن ومحمد بن سلمان؟