حرب إسرائيل «الخفية» على سوريا
كثفت إسرائيل ضرباتها السرية في سوريا على ما يقال إنها مواقع للأسلحة وطرق الإمداد وقادة على صلة بإيران، وذلك قبل تهديدها بشن هجوم واسع النطاق على حزب الله، حسب سبعة مسؤولين ودبلوماسيين إقليميين لوكالة رويترز.
وقالت ثلاثة مصادر للوكالة إن غارة جوية تسببت في استشهاد 18 شخصا، بينهم مستشار بالحرس الثوري الإيراني، كانت تستهدف ما يقال إنه موقع سري محصن للأسلحة قرب حلب. وذكرت أربعة مصادر أن غارة جوية استهدفت في مايو قافلة شاحنات كانت متجهة إلى لبنان وتحمل أجزاء صواريخ، فيما أدى هجوم آخر إلى مقتل عناصر من حزب الله.
وتقصف إسرائيل منذ سنوات مجموعات مسلحة متحالفة مع إيران في سوريا وأماكن أخرى، في حملات محدودة تحولت إلى مواجهة مفتوحة بعد أن بدأت عدوانها على غزة عقب عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر.
شهداء قادة الحرس الثوري يزدادون
وجاء في إحصاء أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن إسرائيل اغتالت عشرات من قادة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، بعد أن اغتالت اثنين فقط منهم العام الماضي قبل هذا الهجوم.
ووصلت المواجهة إلى ذروتها في أبريل عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى استشهاد قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني. وردا على ذلك، أطلقت إيران نحو 300 صاروخ وطائرة مسيرة على إسرائيل، أُسقطت كلها تقريبا. ثم هاجم جيش الاحتلال الأراضي الإيرانية بطائرات مسيرة.
وتوقفت هذه المواجهة المباشرة عند هذا الحد، وهي الأولى من نوعها بين تل أبيب وطهران. وقالت سيلين أويسال، وهي دبلوماسية فرنسية منتدبة في معهد واشنطن، إن إسرائيل قلصت لفترة قصيرة ضرباتها ضد المجموعات المتحالفة مع إيران. واستشهدت أويسال بالإحصاء الذي أجراه المعهد للهجمات المعلن عنها في الأسابيع التي سبقت هذه المواجهة مباشرة والأسابيع التي تلتها. وأضافت «حدث تراجع (في الضربات)» بعد المواجهة التي دارت في أبريل. وتابعت «لكنها تتزايد مرة أخرى بسبب الاشتباه في نقل إيران أسلحة إلى لبنان. هناك تحركات في سوريا ولبنان لتعطيل سلسلة الإمداد بين إيران وحزب الله».
وأجرت رويترز مقابلات مع ثلاثة مسؤولين من النظام السوري ومسؤول في الحكومة الإسرائيلية وثلاثة دبلوماسيين غربيين بخصوص الحملة الإسرائيلية في سوريا. وطلب المسؤولون عدم الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخول لهم الحديث عن مثل هذه الأمور الحساسة.
وسرد مسؤولو النظام تفاصيل لم ترد تقارير عنها سابقا فيما يتعلق بأهداف الضربات الإسرائيلية في محيط مدينتي حلب وحمص في الأشهر القليلة الماضية، ومنها هجوم الثاني من يونيو.
وقال جميع من أجرت رويترز معهم مقابلات إن تحركات إسرائيل تشير إلى أنها تستعد لحرب واسعة النطاق على لبنان المتاخمة لسوريا، والتي يمكن أن تبدأ عندما تخفف إسرائيل حملتها العسكرية في غزة. وذكر المسؤول الحكومي الإسرائيلي «تصريحات قادتنا كانت واضحة بأن التصعيد قد يكون وشيكا في لبنان».
وقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي إن إسرائيل مستعدة «لتحرك قوي للغاية» على حدودها مع لبنان، حيث تخوض معركة محدودة حتى الآن مع حزب الله منذ الثامن من تشرين الأول الماضي.
والحرب في لبنان ليست حتمية إذ أبدت إسرائيل انفتاحها على الجهود الدبلوماسية التي تتوسط فيها واشنطن وفرنسا. وقال المسؤول الإسرائيلي إن الحملة في سوريا تهدف أيضا إلى إضعاف حزب الله وبالتالي إثنائه عن خوض حرب مع إسرائيل.
ولم ترد الحكومة ولا جيش الاحتلال في إسرائيل على أسئلة بخصوص هذه التقارير. ونادرا ما تعلن إسرائيل وقوفها وراء عمليات قتل في الخارج ولم تعلق على أحدث موجة من الضربات في سوريا. وقال مسؤول إسرائيلي كبير العام الماضي إن إسرائيل عازمة على ألا تتحول سوريا إلى جزء من جبهة جديدة. ولم يرد الحرس الثوري الإيراني ولا متحدث باسم حكومة النظام السوري على طلب للتعليق، بينما رفض حزب الله التعليق.
قتل قيادات وقصف معدات
صارت سوريا، الحليفة لإيران منذ زمن بعيد، القناة الرئيسية لإمدادات الأسلحة من طهران إلى حزب الله بعد أن نشرت إيران أفرادا من الجيش وآلافا من القوات شبه العسكرية المتحالفة معها منذ عام 2013 تقريبا لمساعدة بشار الأسد.وقال مسؤولون النظام الثلاثة إن بعض أجزاء الأسلحة يتم تهريبها إلى سوريا بينما يتم تجميع أجزاء أخرى هناك.
وذكر مسؤولون النظام والمسؤول الإسرائيلي أن العمليات العدوانية في سوريا تهدف إلى التأكد من أن جماعة حزب الله، أكثر الحلفاء ولاء لإيران والركيزة الأساسية في جهود طهران لاستعراض عضلاتها في المنطقة من خلال شبكة الجماعات المسلحة المتحالفة معها، صارت ضعيفة قدر الإمكان قبل بدء أي نوع من القتال.
وأشار السوريون إلى أن اغتيال سعيد أبيار، الذي عرفته وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية بأنه مستشار للحرس الثوري، في الثاني من حزيران أظهر مدى قدرة إسرائيل على القضاء على قيادات كبيرة واستهداف المعدات حتى مع تجريب إيران لأساليب جديدة لحماية الأسلحة وأجزاء الأسلحة الموجهة إلى حزب الله بما في ذلك نقل تصنيع الأسلحة إلى مواقع خفية أو محصنة بشكل أكبر.
وقال مسؤولو النظام إن أبيار كان يزور مصنعا لإنتاج الصواريخ تابعا لحزب الله داخل محجر إلى الشرق من مدينة حلب عندما تم استهدافه. وذكر أحد المسؤولين، وهو ضابط مخابرات، أن «المنشأة تقع في منطقة اختيرت لأنها يصعب الوصول إليها ويصعب ضربها».
واتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراء هجوم الثاني من يونيو الذي أسفر عن اغتيال أبيار، وتعهد قائد الحرس الثوري بالرد.
وقال المسؤولون إن الضربة أسفرت عن مقتل 17 آخرين، من بينهم أعضاء جماعات متحالفة مع إيران. وأضافوا أن هذا هو أول استهداف لقائد في الحرس الثوري منذ أن قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية. لكن هذا ليس الهجوم الوحيد الذي نفذته منذ ذلك الحين.
وقال ضابط مخابرات في النظام السوري إن غارة جوية قرب مدينة حمص السورية يوم 29 مايو استهدفت مركبة تحمل أجزاء صواريخ موجهة كانت في الطريق من سوريا إلى لبنان. وقال الضابط إن ضربة أخرى في 20 مايو استهدفت أعضاء في حزب الله.
وأضاف أنه قبل الهجوم على القنصلية الإيرانية، أصابت سلسلة من الضربات الجوية في أواخر آذار في أنحاء حلب مستودعات لتخزين مواد شديدة الانفجار لرؤوس الصواريخ الحربية.
وقال مسؤول عسكري في قوات النظام إن هجمات أخرى استهدفت أنظمة الدفاع الجوي السورية التي منحت في السنوات القليلة الماضية حزب الله وأفرادا من الجيش الإيراني بعض الأمان خلال تحركاتهم، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي بانتسير روسية الصنع وقاذفات صواريخ متنقلة يستخدمها جيش النظام. وقال المسؤول إن ضربات أخرى استهدفت أنظمة رادار للإنذار المبكر. وأضاف المسؤول أن في بعض الحالات نفذت إسرائيل ضربات حتى قبل أن يتم تركيب المعدات.
وزعم المسؤول الحكومي الإسرائيلي إن ما استهدفته إسرائيل كانت أسلحة متطورة مضادة للطائرات وصواريخ ثقيلة وأنظمة توجيه دقيقة للصواريخ.
هل تقلب ضربات إسرائيل الموازين؟
قفز عدد الهجمات العدوانية الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر عندما اندلع العدوان على غزة. وقالت أويسال من معهد واشنطن «زاد عدد (الهجمات الإسرائيلية) إلى المثلين».
وأضافت أن إسرائيل نفذت 50 غارة جوية في سوريا خلال الأشهر الستة التي تلت شن الحرب على غزة «وتضمن ذلك هجمات على مطارات حلب والنيرب العسكري ودمشق والمزة العسكري، وهي نقاط رئيسية لنقل الأسلحة. كما كانت مستودعات الأسلحة من بين الأهداف».
وأضافت أويسال إن الضربات أودت بحياة نحو 20 مسؤولا في الحرس الثوري وأكثر من 30 قياديا في حزب الله. وأضافت أنه بين يناير وأكتوبر من عام 2023، قُتل اثنان من مسؤولي الحرس الثوري الإيراني ولم يقتل أي قيادي في حزب الله في الضربات الإسرائيلية على سوريا.
وقال ليئور أكرمان من جامعة رايخمان، وهو بريجادير جنرال سابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) «من المؤكد أن الهجمات في سوريا توقف تسليم الأسلحة والذخيرة وتضر بقدرة حزب الله أو إيران على التحرك».
ولإيران عدد محدود من المستشارين في سوريا، من بينهم مسؤولون كبار في الحرس الثوري قُتلوا في الهجوم على القنصلية، في حين ينشر حزب الله الآلاف من مقاتليه هناك.
وقال المسؤول في حزب الله نواف الموسوي لقناة الميادين غي مارس إن الجماعة تواصل «فتح مخازن جديدة (للأسلحة والذخيرة)، ملء المخازن، الإتيان بصواريخ جديدة، صواريخ أكثر دقة، نوعية جديدة من الأسلحة بحرا وبرا وجوا. كل هذا جار على قدم وساق».
وقال فرزان ثابت، كبير الباحثين بمعهد جنيف للدراسات العليا والمتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية، إن إسرائيل تأثرت بالهجمات عليها من حزب الله وحلفاء إيران في العراق واليمن خلال الحرب على غزة. وأضاف ثابت «لكنها (إسرائيل) قتلت عددا أكبر من عناصر حزب الله ومن الشخصيات المهمة، ومنهم أعضاء بالحرس الثوري الإيراني في سوريا، وبالتالي فهي خسارة أكبر» لحلفاء إيران.
اقرأ المزيد:
صدمة «اليمين المتطرف» تضرب اليورو والبورصات الأوروبية