الدواب تنتشل أهل «الفاشر» من نيران المعارك
دفع الصراعُ الدائرُ بين الجيش السودانيّ وميليشيا الدعم السريع آلاف المدنيّين إلى النزوح من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر سيرا على الأقدام أو على متن عربات تجرّها الدواب في ظلّ عدم وجود وسائل نقل بسبب نقص الوقود.
بدي اسحاق ضرار، وهو أحد سكان الفاشر الذين فرّوا إلى معسكر زمزم للنازحين جنوبا، وصف المدينة بأنّها "أصبحت شبه خالية إلا من بعض الشباب والأسر التي لا تستطيع الخروج بسبب الإمكانات، حسب وكالة أنباء العالم العربي.
وقال إن «الجميع غادروا إلى منطقة طويلة، حوالي 60 كيلومترا غرب الفاشر، ومعسكر زمزم، بينما توجّه آخرون إلى مدن دارفور الواقعة تحت سيطرة قوّات الدعم السريع" مشيرا إلى أنّه شاهد أثناء هربه مع عائلته قرى محروقة بالكامل في أطراف المدينة اضطر أهلها إلى الفرار بسبب المعارك».
أضاف «الوضع صعبٌ جدا، وكلّ يوم الناس يهربون إلى المدن الأخرى، رغم الجوع وعدم توفّر الخدمات الأساسيّة وغياب الأمن، النازحون يتعرّضون إلى النهب في الطريق من قبل منفلتين وأفراد يرتدون زيّ الدعم السريع».
وكان معظم سكّان ولايات نيالا الواقعة جنوب دارفور والجنينة في الغرب وزالنجي في الوسط والضعين شرقا قد لجأوا إلى مدينة الفاشر خلال الأشهر الماضية في أعقاب اندلاع الاشتباكات بالمدن التي سيطر عليها الدعم السريع، بينما ما زال الجيش يحتفظ بمقاره في المدينة.
نقص الغذاء
السودانية ريان حسين (28 عاما) قالت بدورها إنها وأسرتها استطاعوا الصمود لمدّة شهر ونصف الشهر في ظل القصف المدفعي والانفجارات حتى بدأت الأسواق تغلق أبوابها شيئا فشيئا مع تصاعد حدة الاشتباكات «وانعدمت السلع الغذائية وارتفعت الأسعار نتيجة للحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة».
أضافت «القذائف والصواريخ بدأت تتساقط علينا، وأدّت إلى مقتل عدد من سكّان الحيّ الذي نسكن فيه وأصيب آخرون، وخلال الأيّام القليلة الماضية تصاعدت وتيرة المعارك.. .ما دفعنا إلى الهروب».
وتابعت «لم نحمل معنا شيئا سوى الملابس التي نرتديها، وقطعنا مسافة طويلة سيرا على الأقدام قبل أن نجد كارو (عربة تجرّها الدواب) نقلتنا إلى محلية طويلة في رحلة استغرقت حوالي 20 ساعة».
وأشارت إلى أنّ النازحين بمنطقة طويلة تتزايد أعدادهم يوميّا ويحتاجون بشكل عاجل إلى الغذاء والعلاج، فبحسب وصفها، تُقدّم لجنة الطوارئ المعنيّة بإيواء النازحين في المنطقة، والتي يشرف عليها متطوّعون محليّون، وجبة واحدة لكلّ نازح بدعم من الأهالي بينما هناك نقص كبير أيضا في مياه الشرب.
وتفرض ميليشيا الدعم السريع حصارا مُحكما على مدينة الفاشر منذ مطلع مايو الماضي، في محاولة للسيطرة عليها، بعد أن أحكمت قبضتها على أربع من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور وسط تحذيرات دولية من اجتياح المدينة التي تؤوي آلاف النازحين الفارين من مدن الإقليم المضطرب.
نزوح من جبل مرة
وذكر محمد الناير، المتحدث باسم حركة (جيش تحرير السودان) بقيادة عبد الواحد محمد نور، أنّ إحصاء للمواطنين الذين نزحوا من الفاشر بعد اندلاع الحرب إلى مناطق سيطرة الحركة في جبل مرة بوسط دارفور أظهر وصول عددهم إلى حوالي ستة آلاف نسمة.
وأشار إلى أن هذا العدد يضاف إليه من نزحوا من ولايات ومناطق دارفور الأخري وأنحاء السودان، مشيرا إلى تدفق مئات الأسر النازحة يوميّا.
وقال الناير إنّ مجموع عدد النازحين في مناطق سيطرة الحركة منذ بداية الحرب الحالية، بالإضافة إلى النازحين القدامى خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2016، بلغ أكثر من مليونين ونصف المليون نازح.
أوضاع إنسانية قاهرة
وبينما أشار الناير إلى أنّ الحركة وفّرت للنازحين الأمان ومخيّمات للسكن، فقد قال إنّ هؤلاء النازحين يعيشون أوضاعا إنسانيّة قاهرة وإن العشرات يموتون يوميّا جرّاء سوء التغذية، لا سيما الأطفال والنساء الحوامل وكبار السنّ، في ظلّ شبح مجاعة يلوح في الأفق وتفشّي الأمراض والأوبئة وانعدام الدواء والمستشفيات اللازمة، بحسب وصفه.
واعتبر أنّ عدد النازحين ومعدلات تدفقهم فوق طاقة الحركة، قائلا «نأمل أن يتحرّك العالم قبل وقوع كارثة إنسانيّة لا مثيل لها في العصر الحديث، حيث تقوم قوّاتنا بتأمين المواطنين الراغبين في مغادرة الفاشر وتجمعهم في معسكر زمزم ثم يتمّ تفويجهم إلى محليّة طويلة، ومنها يتم توزيعهم على مناطق سيطرتنا حسب رغبتهم».
وناشد الناير طرفي الصراع في الفاشر بوقف القتال وفتح ممرّات إنسانيّة لإيصال المساعدات وعلاج الجرحي والمصابين، وعدم إرغام المواطنين الراغبين في مغادرة المدينة على البقاء، وعدم استهداف المرافق العامة والمستشفيات والأحياء السكنيّة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد جدّد في مطلع يونيو حزيران الجاري إعرابه عن القلق البالغ إزاء استمرار القتال في مدينة الفاشر ومحيطها، وأكّد الحاجة الماسة لوقف إطلاق النار. وتبنّى مجلس الأمن الدولي هذا الشهر أيضا قرارا يدعو إلى الوقف الفوري للقتال والتصعيد في الفاشر ومحيطها.
وحذّر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث من أنّ ما وصفه بالكابوس الإنساني في مدينة الفاشر يتفاقم على رأس كلّ ساعة، كما أعرب عن أمله في أن يخفّف قرار مجلس الأمن معاناة المدنيّين في المدينة.
وحذّرت منظمة أطباء بلا حدود قبل أيّام من أنّ المستشفيات ما زالت تتعرّض للهجوم، وقالت إنّه لا يُمكن لأيّ مساعدة خارجيّة أن تصل إلى المدينة بسبب النزاع وشدّة العنف.
وذكر ميشيل أوليفييه لاشاريتيه، رئيس عمليّات الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، في بيان أنّ قصف قوات الدعم السريع ليلة الجمعة الماضية أصاب صيدلية المستشفى السعودي الذي تدعمه المنظمة، ما أدى إلى مقتل صيدلانية وإلحاق أضرار بمبنى الصيدليّة. ويعمل المستشفى حاليا بشكلٍ جزئي نتيجة للأضرار.
وأشار لاشاريتيه إلى مقتل أكثر من 260 شخصاً وجرح أكثر من 1630 آخرين بينهم نساء وأطفال في الفاشر.
اقرأ المزيد
مواجهة محتملة بين حزب الله وإسرائيل في شرق المتوسط\
بعد قرار قيس سعيد.. ما قيمة زيادة أجور القطاع الخاص في تونس؟