قفزات جنونية.. العراق يبحث عن بديل للدولار
مع ارتفاع سعر الدولار مجدّدا أمام الدينار العراقي، أصبحت مطالبات أطراف سياسيّة مُعارِضة للوجود الأميركيّ بالاستغناء عن العملة الخضراء في تعاملات البلاد الماليّة والاتجاه لعملات أخرى تُشكّل علامةً فارقةً في بلد يرتبط اقتصاده كليّا بالعملة الأميركية.
وتتراجع قيمة الدينار العراقيّ منذ أواخر العام الماضي، لكن خلال الأيّام الماضية، سجلت أسعار صرف الدولار الأميركي مقابل العملة العراقيّة في سوق الصرف المحليّة ارتفاعا ملحوظا، حيث لامس سعر البيع 1500 دينار للدولار الواحد، وفق وكالة أنباء العالم العربي.
هذا التراجع جاء مع فرض ضوابط جديدة على الحوالات الماليّة وحرمان بنوك من المشاركة في مزادات بيع العملة، فضلا عن وضع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدوليّة بالدولار للبنوك التجاريّة العراقيّة للحدّ من تهريبه إلى إيران الساعية إلى إنقاذ اقتصادها المتدهور عبر أذرعها السياسيّة والاقتصاديّة في العراق.
ووضعت العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على طهران منذ عام 2018 في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ضغوطا على الاقتصاد الإيراني، مما دفعها إلى إيجاد سبُل بديلة لضخّ العملة الصعبة في شرايين هذا الاقتصاد المتأزّم، ومن بينها الاستعانة بتلك الأذرع السياسيّة والاقتصاديّة.
وفي العراق، تتصدّر حركة (حقوق) التابعة لما تُعرف باسم (كتائب حزب الله) العراقيّة قائمة الداعين للاستغناء عن التعامل بالدولار. ولم يتردّد رئيس تلك الحركة حسين مؤنس في حرق ورقة من فئة المئة دولار خلال لقاء تلفزيوني وهو يقول إنّ قرابة 46% من سكّان الكرة الأرضية بدأوا بالاستغناء عن العملة الأميركية. واعتبر مؤنس أن الدولار الأميركي أصبح أداة تُستخدم من أجل «إذلال واستغلال الشعوب وليس للتعاملات الماليّة»، بحسب وصفه.
الاستغناء الكلّي صعب
كان العراق قد تخلّى بالفعل عن التعامل بالدولار داخليّا بموجب قرارات حكوميّة بالتشارك مع البنك المركزي، حيث حظر السحب النقدي والمعاملات بالعملة الأميركية من أوّل يناير كانون الثاني الماضي في أحدث مسعى للحدّ من إساءة استخدام احتياطي البلاد من العملة الصعبة في الجرائم الماليّة والتهرّب من العقوبات الأميركية على إيران.
لكنّ عضو اللجنة الماليّة النيابيّة معين الكاظمي، وهو عضو أيضا في الإطار التنسيقيّ الشيعيّ، أكّد في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أنّ الاستغناء عن الدولار بالكليّة «أمرٌ صعبٌ بالنسبة لبلدٍ يعتمد عليه في كلّ الواردات وجميع القطاعات، وأبرزها القطاعات النفطيّة».
وقال الكاظمي إن «تجارب بلدان مثل الصين وروسيا لا تتكرّر بسهولة.. .الدولار عملة عالميّة ومتجذّرة في جميع التعاملات الاقتصادية لدول العالم، وطرح استخدام بديل لها بحاجة لدراسته بدقّة عالية وتوفير البدائل المناسبة التي لا تضرّ اقتصاد البلدان». أضاف «العراق بلدٌ يحاول بناء اقتصاد رصين منذ سنوات، بالاستفادة من خبرات الدول المتقدّمة، ولذا، يجب الخوض بما يخدم هذا الجانب أولا ثمّ الانتقال إلى مراحل أكثر جرأة وتطوّرا».
أمّا الباحث الاقتصاديّ العراقيّ زياد الهاشمي، فقد حذّر من تراجع الدينار العراقي أكثر أمام الدولار في ظلّ ما وصفه بوجود عوامل ارتفاع العملة الأميركيّة، حين قال عبر منصّة (إكس) إن الأسعار مرشّحة للارتفاع أكثر بعد منع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي حوالات العراق باليوان الصيني بسبب شبهات التهريب وغسل الأموال والاحتيال المالي.
مزيد من التراجع
توقّع الهاشمي أن يزيد الطلب على الدولار النقديّ داخل الأسواق الموازية بسبب منع تلك الحوالات، وقال إن هذا قد يدفع البنك المركزي العراقي للعودة إلى تطبيق إجراءات أكثر تشدّدا "تزيد حالة القلق والاضطراب في الأسواق».
أضاف «شهدنا خلال هذا الأسبوع وقف بيع الدولار للمسافرين من خلال شركات الصيرفة المعتمدة وحصر ذلك بمنافذ البيع داخل المطار فقط، وهذا إجراء سيُسبّب المزيد من الطلب السريع على الدولار من السوق الموازية، خصوصا مع بدء موسم السفر».
وتابع «المركزيّ العراقيّ لم يتمكّن بعد مضي أكثر من 18 شهرا على أزمة أسعار الصرف من تفكيك وحلّ مشكلة أسعار الصرف، حيث لا تزال عوامل ارتفاع أسعار الصرف فاعلة ومؤثّرة».
ووصف الهاشمي الاستقرار على انخفاض جزئيّ خلال الفترة الماضية بأنّه «مجرّد تأجيل للحظة انهيار الدينار أمام الدولار، من خلال تخدير الأسواق باستقرار وهميّ نتيجة لبيعٍ ضخم للدولار يُمكن أن ينخفض بشدّة مع أيّ قرار من الفيدرالي يقلِب الطاولة على إجراءات المركزي».
بدوره، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة أحمد صدام أنّه "لا يُمكن الاستغناء عن الدولار كليّا في التعاملات الدوليّة، كونه يمثّل ما يقارب 90% من التحويلات الماليّة عالميّا، و58% من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية، كما أنّ 54% من إجمالي مدفوعات التجارة الدوليّة يتمّ دفعها بالدولار".
دعوات لأغراض سياسيّة
ووصف صدام الدعوات لإلغاء التعامل بالعملة الأميركيّة في العراق بأنها «بعيدة جدّا عن الواقع، ولا يمكن تطبيقها.. .فعلاقة العراق بالولايات المتّحدة كبلد حليف ويرتبط معه باتفاقيّة إطار استراتيجيّ تجعله بعيدا كلّ البعد عن الدعوات التي يطلقها بعض السياسيين».
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ «الواقع الاقتصادي الدوليّ يفرض التعامل بالدولار بشكلٍ رئيس، حتّى وإن كانت هناك بعض التجارب التي لا تتعامل بالدولار مثل مجموعة بريكس».
أضاف «العراق يعتمد على الدولار بإيرادات الصادرات النفطيّة في حسابه المصرفيّ لدى الولايات المتحدة.. .كلّ ما يُطلق من دعوات لإلغاء التعامل بالدولار هو لأغراض اللمعان السياسيّ والإعلاميّ لا أكثر».
وفي مارس الماضي، أكّد صندوق النقد الدوليّ على حاجة الاقتصاد العراقيّ لإجراء هيكلة واسعة لتعزيز تنمية القطاع الخاص والتنوّع الاقتصاديّ ورفع معدّلات النمو في القطاع غير النفطي بشكل مستدام لاستيعاب القوى العاملة التي تتزايد أعدادها بشكل سريع.
كما دعا الصندوق إلى تسريع وتيرة إصلاحات القطاع الماليّ لتحسين فرص الوصول إلى التمويل عبر تحديث القطاع المصرفي ودعم قدرة البنوك على إقامة علاقات مصرفيّة مع البنوك الأخرى، واتخاذ خطوات تهدف إلى دمج المصارف الخاصة الصغيرة الحجم، فضلا عن إعادة هيكلة أكبر مصرفين حكوميّين.
ويرى الأكاديمي والباحث في الشأن الاقتصاديّ العراقيّ والدوليّ علي دعدوش أنّ العراق يملك «اقتصادا ريعيّا» يعتمد فقط على استخراج النفط وتصديره لتمويل الأنفاق الحكومي.
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ «ترك التعامل بالدولار في ظلّ الاقتصاد الهشّ الحالي والتخبط في السياسة الاقتصادية غير ممكن.. .لأنّ العراق يعتمد على الإيرادات النفطية وهذه مسعرة بالدولار عالميّا، كما يُوجد ربط بين العراق والبنك الفيدرالي الأميركي بسعر صرف ثابت لوجود حسابين للعراق هناك تدخل فيهما المبالغ لصالح الخزينة العراقيّة».
ولدى العراق احتياطيات تزيد على 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، وتعتمد بغداد بشكل كبير على حُسن نيّة واشنطن لضمان عدم عرقلة وصوله إلى عائدات النفط وموارده الماليّة. وقال دعدوش «عندما يحصل تنويع بالقطاعات الإنتاجيّة والدخل الماليّ العراقيّ، من الممكن التفكير تدريجيّا بالاستغناء عن الدولار، ولكن على مدى العشر سنوات القادمة في أقل تقدير، لن يتحقق ذلك».
اقرأ المزيد:
فوائد واستخدامات ماء الورد على البشرة
نعتها الرئاسة السورية.. شكوك في ملابسات وفاة الإعلامية السورية لونا الشبل