بعد «الرئاسية».. الانقسامات تهدد مستقبل المعارضة في موريتانيا
ما إن أسدل الستار على الانتخابات الرئاسية في موريتانيا والتي فاز فيها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بولاية ثانية تمتد حتى عام 2029، بدأ مرشحو المعارضة وأنصارهم يتبادلون الاتهامات والانتقادات، في وقت تشهد فيه البلاد حالة استقطاب سياسي حاد نتيجة إصرار المرشح بيرام الداه اعبيد على عدم الاعتراف بالنتائج.
وقبل عدة أيام اتهم المرشح العيد ولد محمدن، الذي حل ثالثا، جهات من المعارضة بـ"الخيانة"، وقال إن حملته تلقت طعنات منها، دون أن يسميها. وقال ولد محمدن في مؤتمر صحفي إن التنسيق بين بعض الشخصيات المعارضة والحكومة أضر بحملته الانتخابية وساهم في تفتيت الأصوات المعارضة، مما أثر سلباً على نتائج الانتخابات.
ويرى البعض هذا التصريح مؤشرا على تصدع المعارضة، مما قد يؤثر سلبا على وحدة صفها في المستقبل. ولم ينسق مرشحو المعارضة موقفهم من نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 29 يونيو الماضي.
وترشح خمسة محسوبون على الطيف السياسي المعارض هم، حمادي ولد سيدي المختار وبيرام الداه اعبيد، والعيد ولد محمدن وأوتوما سوماري. ومع بدء فرز أصوات الناخبين خرج المرشح بيرام الداه اعبيد في مؤتمر صحفي، وأعلن رفضه لنتائج الانتخابات، معتبرا أن هذه الانتخابات تمثل ضربة للنظام الحاكم في موريتانيا منذ خمسين عامًا.
واعتبر اعبيد أن النظام تعرض للهزيمة في صناديق الاقتراع التي كان يسيطر عليها، مضيفا أن الشعب الموريتاني صوت بطريقة عقابية ضد النظام. واستبق ولد اعبيد إعلان النتائج الأولية ودراسة محاضر الانتخابات، وهو ما كان محل تدقيق من طرف المرشحين الآخرين الذين انتظروا أياما بعد الفرز لإعلان موقفهم من هذه الانتخابات. هذا الموقف جاء "مخيبا" لآمال اعبيد الذي كان ينتظر أن يحذو المرشحون الآخرون حذوه في رفض نتائج الانتخابات، غير أن غياب الثقة بينهم على ما يبدو جعل كل واحد منهم يتخذ موقفا منفردا.
خلافات دائمة في المعارضة الموريتانية
ويرى رئيس تحرير موقع (صحراء ميديا) الشيخ ولد محمد حرمة، أن المعارضة الموريتانية طالما عانت من خلافات جوهرية، كانت دائمًا مصدر قوة لأي نظام حاكم، مضيفا أن هذا الأمر عليه شواهد عديدة منذ استقلال البلاد، وعصر الحركات السياسية الأيديولوجية، حيث كانت تخوض مواجهات فيما بينها أكثر من مواجهة الأنظمة الحاكمة. ويقول ولد حرمة لوكالة أنباء العالم العربي إن الأمر «يتكرر اليوم، حيث تعاني المعارضة من التشرذم والانقسام».
ويضيف أن من الأسباب التي عقدت الوضع، تقاعد الجيل المحترف من المعارضين السياسيين التقليديين، وظهور زعامات جديدة وشابة لا تمتلك الخبرة، وهي أقرب إلى الشعبوية، وتتنافسُ فيما بينها على تصدر المشهد المعارض، وترتكب في سبيل ذلك أخطاء جسيمة، تخدم بها النظام الحاكم، على حد قوله.
ويتفق مع هذا التوجه أيضا رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، ديدي ولد السالك، والذي يرى أن الخلافات جاءت نتيجة لغياب الثقة بين قيادات المعارضة. ويقول ولد السالك لوكالة أنباء العالم العربي، إن المعارضة تاريخيا منذ نشأة الدولة الموريتانية كانت دائمة مخترقة من طرف الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، التي اتهمها بأنها كانت دائما ما تنجح في زرع الخلافات وإحداث حالة من عدم اليقين فيما بين المعارضة، مما يولد هذه الاتهامات المتكررة والتي حدثت في الانتخابات الأخيرة.
مرحلة انتقالية في موريتانيا
واستطاع النظام الموريتاني الحاكم في السنوات الأخيرة استقطاب قيادات وزعامات معارضة كانت تُعد أيقونة في النضال والوقوف في وجه الأنظمة المتعاقبة. كان آخر هذه القيادات زعيم المعارضة التاريخي أحمد ولد داداه ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، إضافة إلى الرئيس الأسبق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) محمد جميل منصور.
انضمام هذه القيادات التاريخية وغيرها التي شكلت في مرحلة ما المعارضة الراديكالية التي ترفض الحوار مع النظام، جعل بعض الموريتانيين لا يثقون في "المعارضة" ويرون أنها محطة يسعى منها السياسيون إلى تحقيق مكاسب شخصية.
كما فقدت أحزاب المعارضة قاعدة شعبية كبيرة بسبب الانسحابات المتتالية من صفوفها، إلا أن الانقسامات الأخيرة تهدد ما تبقى من وحدة الصف وتضع مستقبلها غامضا بعض الشيء، وفق ما ذكره رئيس تحرير موقع (صحراء ميديا) الشيخ ولد محمد حرمة.
ويرى ولد حرمة أن الخارطة السياسية في موريتانيا تمر بمرحلة انتقالية، وهي مرحلة يرى أنها «ستكون عسيرة جدا على المعارضة، في انتظار أن يشتد عود زعاماتها واكتسابهم للخبرة والاحتراف». لكنه استدرك قائلا إن مستقبل المعارضة مرتبط بمستقبل النظام الحاكم.
وأوضح ولد حرمة قائلا «مستقبل المعارضة، من جهة أخرى، يرتبط بمستقبل النظام الحاكم، فهل سيستمر العسكريون في الحكم بعد عام 2029 أم أنهم سيبحثون عن شخصية مدنية يحكمون من خلالها البلاد كما سبق وحاولوا عام 2007، مع الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وهي تجربة كانت فاشلة».
واعتبر أنه إذا استمر النظام الحالي في الحكم وفشل في خلق مستوى معين من الرفاه الاقتصادي، فستكون الفرصة متاحة أمام المعارضة لكسب بعض الشعبية وربما تجاوز خلافاتها الداخلية للاقتراب أكثر من سدة الحكم، وربما حتى الوصول إليه، كما فعلت المعارضة في السنغال المجاورة.
اقرأ المزيد:
أسعار النفط العالمية تكسر موجة الارتفاع.. خام برنت بـ86.4 دولار