بخور اليمن يتحدى رائحة «بارود الحرب»
تتحدى رائحة البخور العريقة في اليمن رائحة البارود، إذ تواصل الأسر تقليد استخدام البخور في البيوت والشوارع، باعتباره رمزا للهوية وصناعة متجذرة في تاريخ وثقافة البلاد تحولت إلى مهنة تحافظ على ثقافة الماضي ومصدر دخل للحاضر، في ظل ضيق الحال وصعود أولويات تدبير لقمة العيش.
واشتهر اليمن على مر السنين بصناعة وتجارة البخور وينافس فيها الكثير من الدول حتى اليوم، بينما احتفظت الأسرة اليمنية بثقافتها وتراثها وعاداتها وتقاليدها المتعلقة بالبخور، صناعة واستهلاكا، وتجذرت طقوس البخور في أوساط اليمنيين، رفيقا دائما لمناسباتهم المختلفة، حسب وكالة أنباء العالم العربي.
وفي قلب مدينة عدن، حيث أصل قصة البخور اليمني، تسطر مروة السويدي حكاية نضالها اليومي من خلال صناعة البخور العدني، على الرغم من قسوة الحرب وآثارها الوخيمة على الحياة.
البخور العدني الأصيل
ونشأت مروة في أسرة امتهنت صناعة البخور في عدن بجنوب اليمن، وبعد سنوات من اتقان صناعة البخور بأنواعه وأشكاله المختلفة بما فيها العدني الأصيل، انتقلت إلى مهنة تدريب اليمنيات على صناعة البخور وتجارته في محافظات يمنية متعددة منها عدن وصنعاء وتعز وحضرموت.
وقالت مروة إنها «احترفت مهنتها وهوايتها في صناعة البخور يدويا منذ نحو عشر سنوات. وتتذكر بدايتها في صناعة أول دفعة من البخور العدني الذي تعلمت صناعته على يد والدتها وشقيقاتها الأكبر، وتقول إنها عرضتها للبيع عن طريق صديقات على مجموعات (واتساب)، مضيفة أن نجاح تلك التجربة دفعها للاستمرار ومواصلة التطوير حتى اليوم».
وأضافت أن النساء يعملن بشكل عام في صناعة البخور اليمني دون الذكور الذين قد يشمل دورهم التسويق أحيانا، بينما تعمل النساء عادة في صناعة البخور وتسويقه.
العائد المدني
وقالت إن العائد المالي لصناعتها اليدوية هو المشجع الأول لاستمرارها كون مهنتها في صناعة البخور وتسويقه المصدر الوحيد لتوفير لقمة العيش لها ولأسرتها.
وامتهنت مروة التدريب في صناعة البخور، حيث تعمل على تدريب النساء والفتيات عبر الإنترنت ووصل عدد المتدربات إلى نحو 600 حتى الآن.
كما وجدت فرصة وظيفية في مؤسسة عدن للفنون كخبيرة تدريب في صناعة البخور، حيث تعقد المؤسسة المحلية دورات مجانية للمساعدة على توفير دخل خاص للنساء بشكل دوري، بهدف التمكين الاقتصادي للأسر الضعيفة. وأضافت أنها دربت حتى اليوم في المؤسسة نحو 200 فتاة على صناعة البخور بمراحلها المبتدئة والمتقدمة، بمتوسط 40 فتاة كل شهر، وقالت إن التدريبات مستمرة وتنعقد كل شهر.
وقالت «التدريب والاستمرار في صناعة البخور يساعد على استمرار الثقافة والتراث اليمني بشكل عام والعدني خاصة، كون عدن مصدر البخور الأول في البلاد».
رواج دائم
ويلقى البخور رواجا واسعا في أوساط المجتمع اليمني، فهو التجارة الرابحة والسلعة المقبولة في كل مواسم السنة وفي جميع منازل اليمنيين، أغنياء وفقراء.
وإلى جانب القبول الواسع الذي تحظى به في الأسواق المحلية، وبفعل جودتها وشهرتها انتقلت سلعة البخور اليمني إلى الخارج بما في ذلك دول الجوار وحتى أوروبا، من خلال الطلب الخاص أو التصدير لشركات لها مندوبون في أوروبا، بحسب ما ذكرته مروة السويدي.
وتقول إن التنافس بين المنتجين أوجد منتجات مميزة في الغالب، مما عزز شهرة البخور اليمني عامة والعدني على وجه التحديد.
وقالت إن اليمن اكتسب شهرة صناعة البخور منذ زمن بعيد، حيث أن طرق التجارة المارة باليمن إلى الشرق أو الغرب أو حتى أفريقيا كانت تحمل من اليمن البخور واللبان.
وأشارت إلى أن الحرب الدائرة في اليمن منذ نحو تسع سنوات أثرت على صناعة البخور.
وأوضحت قائلة إن صناعة البخور كانت قبل الحرب تلقى رواجا أكبر، سواء من المجتمع المحلي أو للتصدير للخارج، لكن بعد الحرب تراجعت التجارة وتوقفت عملية تصدير البخور للخارج بشكل شبه تام. لكن صناعة البخور محليا نشطت بشكل واسع بفعل حاجة الأسر إلى مصادر دخل في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وتوقف مرتبات الموظفين وأيضا خروج الكثير من الشركات من البلاد، مما دفع الكثير من الأسر إلى البحث عن مهن يمكن أن تدر دخلا بسيطا وسهلا مثل صناعة البخور يدويا في المنازل.
وأضافت مروة «ساهمت المنظمات الدولية الداعمة للمنشآت الصغيرة في فتح مجال صناعة البخور وتنشيط هذه الحرفة من خلال البحث عن مدربات والبحث عن متدربات ودعمهن ماليا لتأسيس شركاتهن الصغيرة، مثل شراء الأساسيات ومواد خام لصناعة البخور وتسهيل تعلمها كمهنة بسيطة من المنازل تدر دخلا محدودا للكثير من الأسر».
اقرأ المزيد
روبوت شبيه بالبشر لصيانة السكك الحديدية