مهرجانات تونس الصيفيّة.. تخمة عروض وجدل حول الذوق العام
قبل انطلاق موسم المهرجانات الفنيّة الصيفيّة في تونس هذا العام، ثارت حالة من الجدل عندما صعدت معجبات إلى المسرح خلال افتتاح الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون لتراقصن فنانا شهيرا.
وبينما أثارت تلك الواقعة انتقادات واسعة، حيث اعتبر البعض صعود المعجبات لعناق الفنان اللبناني ومراقصته «سلوكا مستفزّا» فقد انتقد الرئيس التونسي قيس سعيّد العروض الفنية التي تستضيفها تلك المهرجانات. أكّد سعيّد وقتها ضرورة أن تُساهم المهرجانات في إرساء ثقافة وطنيّة، معتبرا أن تأسيسها كان يهدف إلى «الارتقاء بالذوق العام»، وفق وكالة أنباء العالم العربي.
قال سعيّد إن مسرح قرطاج ومسرح الحمّامات «على سبيل المثال لم يكونا مفتوحين إلّا للأعمال الثقافية الراقية، وكثيرون من الخارج كان حلمهم هو الوقوف على هذين المسرحين، لأنهم يعتبرون ذلك اعترافا لهم بقيمتهم الفنية، بل وحتى تتويجا لمسيراتهم» معتبرا أن ذلك «عكس ما يحصل اليوم في المهرجانين المذكورين أو في عدد من المهرجانات الأخرى».
ومع بداية موسم المهرجانات الفنيّة الصيفية في تونس كلّ عام، يُثار جدل بشأن مستوى العروض المقدّمة للجمهور ومدى مساهمتها في الارتقاء بالذوق العام.
تخمة في العروض.. ولكن
بعد استقلالها عن فرنسا عام 1956، أسّست تونس عدّة مهرجانات فنيّة دوليّة، أبرزها مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان الحمّامات الدولي عام 1964، وتلتها مهرجانات في ولايات أخرى مثل مهرجان دقة الدولي ومهرجان المنستير الدولي ومهرجان صفاقس الدولي ومهرجان بنزرت الدولي.
تخصص هذه المهرجانات بشكل أساسيّ لحفلات الغناء والموسيقى وبعض العروض المسرحيّة، وتُقام غالبيّة المهرجانات الكبرى على مسارح أثريّة رومانيّة، مثل مهرجان قرطاج ومهرجان دقة، وأخرى في مواقع أثرية إسلاميّة مثل حصن رباط المنستير.
وفي تسعينيّات القرن الماضي شهدت تونس طفرة في عدد الفعاليات الفنيّة الصيفيّة، حيث تأسّس مئات المهرجانات الجهويّة والمحليّة. ويقدّر عدد المهرجانات الصيفيّة في تونس بنحو 395 مهرجانا، يقام أغلبها في شهري يوليو تمّوز وأغسطس من كلّ عام.
وينتقد الكاتب الصحفي شكري الباصومي ما يعتبره «تخمة» في عدد المهرجانات واستسهال اختيار العروض، قائلا إنّ «هناك تطبيعا مع السهولة ونوع من الكسل وإعادة المُعاد وتكرار المكررّ».
أضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «لم يقع إعادة النظر في التصوّر الذي وُضع للمهرجانات منذ تأسيسها في ستينيّات القرن الماضي.. .التظاهرات الثقافيّة ليست لفتح الركح (الساحة) وإفساح المجال لأيّ (شخص) كان من أجل القفز عليه».
ويرى الباصومي أنّ هناك ضرورة للمحافظة على الذائقة الفنيّة عبر ما وصفه بـ«تهذيب المهرجانات» من خلال حسن اختيار العروض الفنيّة التي تمنح الجمهور فرصة للاطلاع على ثقافات وحضارات أخرى، وتساءل «ما هي الإضافة التي يُمكن أن يقدّمها تكرار استضافة نجوم الغناء العربي للصعود على ركح المهرجانات؟»
ودعا الكاتب الصحفيّ إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى، قائلا إنّه «كان هناك ما يسمّى تبادلا ثقافياّ مع بلدان مثل الهند وكوريا والصين واليابان وباكستان ودول أفريقية، كان الأمر ممتعا ويمنح الجمهور فرصة للاطلاع على ثقافات وحضارات أخرى واكتشاف ألوان وتعبيرات فنيّة مختلفة».
فرصة للاكتشاف لا التكرار
وبينما عبّر الباصومي عن تخوّفه من ما قال إنها «هيمنة وسيطرة متعهدي الحفلات على المهرجانات» فقد طالب اللجان الثقافية المختصة بوزارة الشؤون الثقافية «بتحديد السياسة الثقافية للمهرجانات الفنية».
من جانبه، يرى الصحفي والناقد الفني محمد الماطري صميدة أنّه «في الماضي، كانت المهرجانات أكثر عمقا وتوجهها ثقافيا ومؤطرة وموظفة توظيفا صحيحا وتواكب الذوق العام وتسعى للارتقاء به".
وفي المقابل، انتقد صميدة ما وصفه بتراجع مستوى العروض الفنيّة المقدّمة في المهرجانات الصيفية الحالية، خاصة العريقة منها مثل مهرجان قرطاج الدوليّ ومهرجان الحمامات الدوليّ.
وقال «صعد على ركح المهرجانات العريقة فنّانون كبار، وقُدّمت عروض كبيرة، لكن بسبب غياب الرقابة اليوم، تشهد المهرجانات انفلاتا فنيّا» داعيا إلى إعادة الوهَج للمهرجانات الفنيّة الصيفيّة و«منحها دورها الرئيسي في المساهمة في الارتقاء بالذوق العام بدلا من السعي نحو تحقيق الأرباح الماليّة».
وتحظى المهرجانات الفنيّة الصيفيّة في تونس بشعبيّة كبيرة، حيث تستقطب نجوم الفن من الداخل ومن بلدان عربية وأجنبيّة.
اقرأ المزيد:
بطاقة كردستان الأمنية تثير تحفظات العراقيين