الهجرة غير النظامية صداع في رأس عاصمة موريتانيا الاقتصادية
على مدى عقود من الزمن، عُرفت نواذيبو بأنها العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، إذ تتميز شواطئها بكونها من أغنى الشواطئ بالأسماك في العالم، مما جعل المدينة ملتقى للسفن العالمية التي تأتي لاصطياد أنواع الأسماك النادرة التي تعج بها مياهها.
كما تمتلك المدينة، التي تعتبر شبه جزيرة، منفذا بريا وحيدا من الجنوب، وتعد رئة اقتصاد البلاد حيث تنطلق من مينائها السفن المحملة بخام الحديد المستخرج من ولاية تيرس الزمور، للتصدير إلى مختلف أنحاء العالم. غير أنه خلال الأشهر الأخيرة توجهت الأنظار إليها بشكل مغاير، مع ارتفاع وتيرة عمليات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بحكم قربها من جزر الخالدات (الكناري) الإسبانية.
ولم يعد شاطئ نواذيبو مقصدا حصريا للصيادين، بل أصبح نقطة جذب للمهربين الذين اكتشفوا مسارات بحرية جديدة لنقل المهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الحالمين ببلوغ أوروبا. وتمكن خفر السواحل الموريتاني الأسبوع الماضي وخلال ثلاثة أيام فقط من احتجاز حوالي 300 مهاجر غير نظامي كانوا في طريقهم إلى جزر الكناري.
وقال مصدر، طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة أنباء العالم العربي، إن هؤلاء المهاجرين ينحدرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وإن قواربهم انطلقت في الأصل من شواطئ السنغال وتم اعتراضها في عرض البحر. وأوضح المصدر أن وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر هذه المسارات البحرية ارتفعت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، حيث أصبحت القوارب تنطلق بصفة يومية تقريبا، مما يمثل تحديا كبيرا للسلطات المعنية. وأشار إلى أن السلطات الموريتانية تعمل بشكل مكثف مع الاتحاد الأوروبي للحد من هذه الظاهرة المتنامية.
وقال «لقد زدنا من وتيرة المراقبة البحرية والتنسيق مع شركائنا الأوروبيين بهدف تعزيز الإجراءات الأمنية على طول السواحل الموريتانية». وأكد المصدر أن المهاجرين الذين يتم توقيفهم يتلقون الرعاية الطبية الأولية ويتم إيواؤهم في ملاجئ مؤقتة قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
مخاوف السكان
ورغم الجهود الأمنية، تتزايد مخاوف سكان مدينة نواذيبو الساحلية، من أن تتحول مدينتهم الهادئة إلى مأوى دائم للمهاجرين الذين يتم توقيفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا عبر البحر. ولا يخفي الشيخ ولد سيدي، أحد سكان المدينة، الهاجس الذي ينتابه من تدفق المهاجرين غير الشرعيين ويرى فيهم تهديدا محتملا لمدينته الهادئة.
وقال ولد سيدي لوكالة أنباء العالم العربي، إنهم يرحبون بالضيوف لكن يخشون أن تصبح نواذيبو نقطة استقرار للمهاجرين «مما سيؤدي إلى تغييرات جذرية في طبيعة المدينة ويؤثر سلباً على حياتنا اليومية». وأضاف أنه سمع عن تزايد عدد القوارب التي يتم اعتراضها في شواطئ المدينة، محملة بالمهاجرين الذين يأملون في الوصول إلى أوروبا، وعبر عن قلقه من أن يصبح هذا التدفق المستمر عبئا على موارد المدينة المحدودة.
كما عبر إسماعيل ولد محفوظ الذي يمتلك محلا تجاريا في المدينة عن المخاوف نفسها، وقال إن التدفق المستمر للقوارب التي تصل إلى الشواطئ يضع موريتانيا في موقف صعب، معتبرا أن السلطات كان يجب أن تغض الطرف عن المهاجرين الذين يعبرون المياه الإقليمية قصد أوروبا وليس موريتانيا التي تعد نقطة عبور.
وتابع قائلا «من الواضح أن موريتانيا ليست وجهة نهائية لهؤلاء المهاجرين، بل مجرد مرحلة على طريقهم نحو أوروبا. كان من الأفضل للسلطات أن تتخذ سياسة تجاهل تلك القوارب والسماح لها بالمرور بلا إيقاف، حيث أن هذا الأمر يضع ضغوطاً غير ضرورية على مواردنا المحدودة».
ويرى الصحفي مصطفى السيد، أن مخاوف سكان نواذيبو جاءت نتيجة شائعات انتشرت في الأشهر الماضية عن أن موريتانيا قد تتحول إلى وطن بديل للمهاجرين. وقال السيد، المقيم في نواذيبو لوكالة أنباء العالم العربي، إن خفر السواحل الموريتاني بالتعاون مع الحرس المدني الإسباني ينقلون المهاجرين الذين يعترضونهم على سواحل نواذيبو إلى مركز إيواء أنشأته الحكومة الإسبانية. وأضاف أن السلطات تقدم المساعدات اللازمة والرعاية الطبية للمهاجرين قبل ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
إعلان مشترك
كانت الحكومة الموريتانية قد وقعت في مارس الماضي إعلانا مشتركا مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتنسيق التعاون لمواجهة الظاهرة. وقال وزير الاقتصاد عبد السلام ولد محمد صالح، إن الإعلان يعد إعلانا سياسيا وليس لديه صبغة قانونية ملزمة، مؤكدا أن موريتانيا لن تكون وطنا بديلا للمهاجرين غير الشرعيين.
واعتبر ولد محمد صالح في مؤتمر صحفي عقب توقيع الإعلان أنه سيكون له أثر كبير نتيجة لعدة أمور تشمل «خلق إطار مرجعي، ودائم للحوار والتشاور بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا»، لافتا أيضا إلى أن الإعلان المشترك «سينشئ آلية تسمح بمواصلة هذا الحوار والتشاور». ونفى الوزير أن تكون حكومة بلاه قد أبرمت صفقة أو مقايضة تحت الطاولة بخصوص إيواء المهاجرين غير الشرعيين أو استقبالهم في موريتانيا.
ووفقاً لوكالة (فرونتكس) للحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن الهجرة غير الشرعية من غرب أفريقيا زادت بأكثر من عشرة أمثال على أساس سنوي في يناير كانون الثاني الماضي، حيث وصل أكثر من سبعة آلاف مهاجر إلى إسبانيا على متن قوارب، 83 في المئة منها قادمة من سواحل موريتانيا.
اقرأ المزيد:
ضربات عدوانية على قطاع غزة مع تلاشي آمال الهدنة