مشكك ومثابر.. «رئاسية الجزائر» تقتحم جدل «التوكيلات»

مشكك ومثابر.. «رئاسية الجزائر» تقتحم جدل «التوكيلات»
تبون في اجتماع مع قادة عسكريين. (الرئاسة)
الجزائر: «خليجيون»

بينما تستعد الجزائر لانتخابات رئاسية مبكرة في السابع من سبتمبر القادم، يتعين على كل مرشح محتمل جمع عدد من التوقيعات المزكّية له، في عملية يرى كثيرون أنها صعبة وستؤول إلى «إقصاء» عدد كبير من الساعين للترشح.

وتباينت الآراء حول عملية جمع التوقيعات، فهناك من يتهم سلطة تنظيم الانتخابات بالتقصير، وهناك من يتهم بعض المرشحين بالافتقار لتأييد شعبي يسمح لهم باستيفاء الشروط اللازمة للترشح. وبين هذا وذاك تدور تساؤلات عن واقع «الرقمنة» في بلد لا يزال يعتمد على الوثائق المطبوعة والتصديق عليها بالحضور الشخصي أمام المسؤولين المعنيين.

ومما زاد الجدال سخونة انسحاب زعيمة حزب العمال لويزة حنون من السباق الانتخابي مبكرا وإعلانها مقاطعته.

ويشترط قانون الانتخابات الجزائري على المترشحين جمع ما لا يقل عن 600 توقيع فردي لأعضاء منتخبين في مجالس شعبية بلدية أو ولائية أو برلمانية موزعة على 29 ولاية على الأقل من ولايات الجزائر البالغ عددها 58 ولاية، أو تقديم قائمة تضم 50 ألف توقيع فردي لمواطنين مسجلين في القوائم الانتخابية يجمعونها من 29 ولاية على الأقل، على ألا يقِل عدد التوقيعات في كل ولاية عن 1200 توقيع.

وبينما يشكو كثيرون من صعوبة تحقيق هذا الأمر ويشككون في الغرض من ورائه، يرى مؤيدو السلطة أن هذه الشكاوى وهذا التشكيك ما هو إلا تبرير مسبق للفشل في أول اختبار يوضح فعليا مدى شعبية الساعي للترشح في الميدان.

وقال النائب البرلماني عن جبهة التحرير الوطني أحمد ربحي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «المعارضة التي تشتكي لم تستطع التأقلم مع الإجراءات الجديدة التي أصبحت تُلزم الموقع لصالح مرشح ما بالحضور شخصيا ليوقع استمارة اكتتاب التوقيع أمام الضابط العمومي».

وأضاف «الأحزاب التي تشتكي أَلِفت الممارسات التي كانت عليها الأمور في الفترة السابقة حين كانت تُقدَّم القوائم بالتوقيعات دون أن يلتزم الموقّع بالحضور بعينه أمام ضابط الحالة المدنية للتوقيع، ما كان ينتج عنه تلاعبات ويُفقد العملية مصداقيتها».

عبد المجيد تبون

حَوَت قائمة المرشحين المحتملين أكثر من 30 اسما أغلبهم مواطنون غير معروفين. ويتصدر القائمة الرئيس عبد المجيد تبون الذي يسعى للفوز بفترة ثانية في المنصب.

ونقلت الرئاسة الجزائرية في صفحتها على فيسبوك عن تبون قوله في حوار تلفزيوني يوم الخميس الماضي «نزولا على رغبة كثير من الأحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية والشباب، آن الأوان أن أعلن أني سأترشح لعهدة ثانية».

كان تبون قد فاز بفترته الرئاسية الأولى في انتخابات أجريت في ديسمبر 2019. وأعلن في مارس الماضي عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في السابع من سبتمبر المقبل، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها المقرر مسبقا.

وبث التلفزيون الجزائري مساء السبت لقطات لتبون وهو يسحب استمارات جمع التوقيعات من مقر السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر العاصمة.

وبدأ حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي يوم الاثنين عملية جمع التوقيعات لصالح مرشحهما تبون. وقال النائب البرلماني ربحي إن حصة جبهة التحرير الوطني في استمارات ترشيح تبون خمسة آلاف استمارة بدأ توزيعها صباح الاثنين على محافظاتها في الولايات.

وأضاف أن حزب جبهة التحرير الوطني يعتمد في جمع التوقيعات على انتشاره الجيد «كونه أول قوة سياسية في البلد مما جعله يحوز على 98 مقعدا في البرلمان ويشارك في تسيير أغلب البلديات والولايات في الجزائر».

ونفى ربحي اتهامات المعارضة بأن جبهة التحرير الوطني تسعى للاستحواذ على التوقيعات، مؤكدا أن الجماعات المحلية خصصت أروقة في البلديات لصالح المواطنين الراغبين في التوقيع لصالح أي مرشح.

وعلَّق على انسحاب زعيمة حزب العمال لويزة حنون من السباق الانتخابي قائلا إنها اصطدمت بالواقع على الساحة بعد عودتها للحياة السياسية بعد حراك 2019، «فقد اكتشفت أن انسحابها من الساحة السياسية أثَّر على الحزب وعلى انتشاره في الميدان».

لويزة حنون

خلال الحراك الشعبي الذي انطلق في الجزائر في 22 فبراير 2019 وحال دون تولي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة فترة رئاسة خامسة، قرر حزب العمال الخروج من المؤسسات النيابية وقاطع الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، ما أفقده موقعه في نظر المتتبعين للأحداث.

كما اعتُقلت أمينته العامة لويزة حنون في مايو أيار 2019 بتهمة التآمر على الدولة في القضية التي اتُهم فيها أيضا شقيق الرئيس السابق ومستشاره السعيد بوتفليقة وضابطان في المخابرات الجزائرية. وأُفرج عنها في فبراير 2020 بعدما قضت مدة عقوبتها، حيث أدينت بالسجن لثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، منها تسعة أشهر نافذة قضتها بالسجن العسكري للبليدة.

وفي مايو الماضي نالت حنون ترشيح حزبها لخوض السباق الانتخابي هذا العام. لكنها أعلنت يوم السبت الماضي سحب ترشحها قائلة إن حزب العمال «لا يمكن أن يكون جزءا من عملية انتخابية لا تكرس حرية الترشح التامة ودون إقصاء ولا تسمح للمواطنين بممارسة احتكامهم الحر».

وتابعت في بيانها «أثبتت حملة جمع تزكيات الناخبين الجهنمية والفوضوية الفشل التام للمنظومة الرقمية للهيئة المستقلة والإدارية والتنظيمية التي تم تطبيقها دون تجربة أو تحضير مسبق على مستوى مكاتب البلديات ومكاتب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، مما أدّى إلى إقصاء مئات الآلاف من المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية».

وأثار هذا الموقف آراء وتعليقات أشار أغلبها إلى أن قرار انسحاب حنون الذي اتخذه المكتب السياسي لحزب العمال السبت الماضي في دورة طارئة جاء لعجز الحزب عن جمع التوقيعات المطلوبة فقرر الخروج مبكرا بهذا السيناريو.

غير أن القيادي في حزب العمال رمضان تاعزيبت كذَّب هذه الأحاديث وقال في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي «هذه الادعاءات غير صحيحة، بدليل أن الآجال القانونية لجمع التوقيعات لم تنتهِ وما زال الوقت أمامنا كافيا لجمع التوقيعات إن أردنا ذلك».

وتنتهي مهلة إيداع التوقيعات لدى السلطة الوطنية للانتخابات منتصف ليل الخميس المقبل.

وقال تاعزيبت إن حزب العمال واجه خلال عملية جمع التوقيعات عراقيل كثيرة اعتبرها «إرادة لإقصاء» أمينته العامة عن الترشح. واعتبر أنه بخروج حنون من السباق الانتخابي تكون «مصداقية الاقتراع قد أخذت ضربة كبيرة».

زبيدة عسول

ويبقى في سباق الانتخابات، إضافة لتبون، كل من زبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي وبلقاسم ساحلي رئيس التحالف الوطني الجمهوري وعبد العالي حساني شريف رئيس حركة مجتمع السلم ويوسف أوشيش الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية.

وكانت القاضية السابقة زبيدة عسول هي أول شخصية سياسية جزائرية تعلن رغبتها في الترشح للرئاسيات، وكان ذلك في مارس الماضي.

وقالت في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنها تعمل على قدم وساق رفقة فريق من الشباب على استكمال عملية جمع التوقيعات في آجالها. وأوضحت أنها اختارت التوجه نحو جمع توقيعات المواطنين بدلا من خيار جمع توقيعات المنتخبين.

وتشير إلى أن صعوبة هذا الخيار تكمن في أنها المرة الأولى التي يلزم فيها حضور الموقّع بنفسه للتوقيع أمام ضابط الأحوال المدنية، إضافة إلى «غياب الإنترنت وانقطاعه، والسلوكيات الإدارية المعروفة». وأوضحت "المواطنون ينتقلون إلى مقر البلدية للتوقيع، وبعد طول انتظار في طوابير يجدون خدمة الإنترنت قد انقطعت. وهذا لا يشجع المواطنين على العودة مرة أخرى للتوقيع".

وأضافت «هذا الإجراء يخدم فقط أحزاب السلطة التي تحت تصرفها وسائل وإمكانيات الدولة».

وأكدت أنها كانت أول من دعا إلى إجراء عملية جمع التوقيعات وتسجيلها إلكترونيا «عبر الأرضية الرقمية للسلطة الوطنية للانتخابات، وكان ذلك سيجنبنا ضياع الوقت والمال والجهد».

وعن إمكانية تمكنها من جمع التوقيعات المطلوبة قبل انتهاء المهلة المحددة لذلك الخميس المقبل قالت إنها تعمل على ذلك بالفعل وتفتخر أنها استطاعت «تجنيد طاقم من الشباب يعمل بديناميكية» لتحقيق ذلك المأرب. أيضا أشارت إلى لجوئها إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك لاستقطاب المواطنين وفتح نقاش معهم، في ظل «غلق الساحة الإعلامية وتوجيهها».

قالت «في بعض الأيام كنا نسجل قرابة 100 شخص، أغلبهم من الشباب الذين لم تكن لهم أية علاقة بالحياة السياسية في السابق. يتقدمون من أجل أن يوقعوا لنا، خاصة أنهم وجدوا أملا بالتغيير».

عبد العالي حساني شريف

أما بالنسبة للحزب الإسلامي المعارض، حركة مجتمع السلم الذي رشح رئيسه عبد العالي حساني شريف لخوض الانتخابات، قال القيادي في الحزب ورئيس كتلته البرلمانية أحمد صادوق الذي يقود الحملة الانتخابية لرئيس الحزب إن الحركة تمكنت من جمع التوقيعات في جانبيها المنتخبين والمواطنين.

وأوضح صادوق في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أنه تم التوقيع على أكثر من 2000 استمارة خاصة بالناخبين في المجالس في حين يشترط القانون 600 توقيع فقط. وأكد أن عملية جمع توقيعات المواطنين تخطت العتبة المطلوبة في عدد الولايات المطلوب، ومع ذلك لا تزال العملية مستمرة.

وأقر صادوق بوجود «عراقيل ترهق العملية»، وأسرد نفس العقوبات التي ذكرتها عسول وتحدث عنها حزب العمال، وزاد عليها عدم تأهيل بعض الجهات الإدارية في مجال الرقمنة.

وقال «الحزب تجاوز تلك العراقيل بفضل تنظيم وخبرة وصبر وتكوين وانتشار مناضليه الذين يعرفون كيف يتعاملون مع الظروف الصعبة. حركة مجتمع السلم تمتلك خزان مناضلين حقيقيين وليسوا موسميين، لذلك تمكننا من تخطي العقبات».

وقال حساني شريف في تسجيل مصور الشهر الماضي إن الحركة ستكون حاضرة في الانتخابات الرئاسية القادمة «ليس كما يصورها البعض على أنها أرنب سباق أو أنها تؤدي دورا وظيفيا أو أنها تؤدي دور ديكور، بل ستكون حاضرة بالتنافس من أجل الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات الرئاسية».

اقرأ المزيد:

الإمارات تقترح بعثة دولية بـ4 مهمات في غزة

سلطنة عمان تكشف مصير أحد أفراد طاقم الناقلة النفطية

«النمل» يحاكي مأساة طفلة فلسطينية فقدت كل عائلتها

أهم الأخبار