حاشا لعمان أن تطبع مع الكيان الصهيوني
كثر اللغط مؤخرا حول إمكانية تراجع مواقف السلطنة من القضيتين الفلسطيتية واليمنية إثر أحداث الوادي الكبير التي حدثت في إطار محاولة لي ذراع السلطنة من قبل قوى الصهيونية العالمية لتغيير مواقفها الوطنية المشرفة، للدخول في مسيرة القطيع نحو التطبيع، سيما وأنها الدولة الوحيدة في الخليج العربي التي بقيت محتفظة بكرامتها من الانغماس في وحل الهوان والإذلال الصهيوني.
ولعل بعض الأصوات تعتمد في هذا الطرح على أن السلطنة هي في نهاية التحليل دولة «سلطانية ذات حكم اوتوقراطي» يميل في نهاية الأمر، بطبيعته، لمهادنة ومسايرة القوى الاستعمارية الكبرى، حبا في السلامة والاستقرار، ومضطرة أيضا، حسب رأيهم، إلى مراجعة مواقفها وتغييرها وفق ما تشاءه لها تلك القوى التي تتمتع بقواعد عسكرية ضخمة في البلاد، تتيح لها فرصة فرض إرادتها في صنع القرار وتوجيه دفة المسار في هذا البلد.
التراجع عن المواقف العمانية المشرفة (في أدنى درجاتها) تحت أي ظرف كان سيلقى رد فعل عنيف في صفوف ابناء هذا الشعب
وأنا هنا أخالف هذا الرأي، وأرى أن السلطنة لن تغير مواقفها الحيادية من القضية اليمنية، ولن تحيد عن مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، وهذا الرهان يعتمد على الأسباب التالية:
أولا: أن هذه المواقف الحيادية، بل والمناصرة للحق، التي اتصفت بها السياسة العمانية من القضايا العالمية كانت وما تزال هي السمة التي تميز بها الحكم العماني منذ البدايات الأولى لتشكل الوعي النوعي في صفوف ابناء هذا الشعب، ابتداءا بدخولهم الإسلام طوعا، مرورا بمشاركاتهم مع المسلمين في زمن الخلافة في حروب الردة.. وقد ألف الشعب العماني تلك المواقف وتماهى معها لانسجامها مع توجهاته الفكرية والعقائدية.
ثانيا: أن التراجع عن تلك المواقف المشرفة (في أدنى درجاتها) تحت أي ظرف كان سيلقى رد فعل عنيف في صفوف ابناء هذا الشعب قد تصل إلى حد إحداث شرخ كبير، إن لم تكن القطيعة، في العلاقة بينه وبين الحكم الذي تآلف معه طوال السنوات الماضية.
وهو الأمر الذي اراهن على أن حكومة السلطة لا تحبذه ولا ترغب في الدخول في أي صراع مع مكونات شعبها في الداخل.
بقاء الحكم على مواقفه المعهودة من القضايا الجوهرية الساخنة هو صمام أمان لأمنه وأمن البلاد، مهما حدثت من أعمال شاذة لعناصر ليس لها اية قاعدة تذكر في أوساط جماهير هذا الشعب.
ثالثا: أن وجود القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد، رغم أهمية هذا العامل، لا يعطي لأصحاب تلك القواعد الحق في الإمساك بناصية هذا الوطن، وفرض إرادتهم عليه، متى ما وجد الحكم الذي يحترم نفسه وإرادة شعبه وحقه في تقرير مصيره واستقلال رأيه.
فهناك دول كثيرة في العالم بها على أراضيها مثل تلك القواعد العسكرية، ولكنها كاملة السيادة على أرضها والقرار.
بل وهناك من الدول من طردت تلك القواعد وأجبرت أصحابها على سحبها، والخروج من بلدانها صاغرة غير مأسوف عليها! كما حدث مثلا في بوركينا فاسو والنيجر ومن قبلها في جنوب أفريقيا.
رابعا: أن هذه المواقف المشرفة للسلطنة من القضيتين اليمنية والفلسطينية عليها إجماع قوي من القوى الثلاث الفاعلة في البلاد:
الشعب بكل فئاته، والحكم بكل مكوناته.. والزعامات الدبنية بكل أطيافها المذهبية.. كلها قد تقاطعت في هذه النقطة.. نقطة النأي بعمان عن مستنقع الهوان والطغيان، أو الخضوع لإملاءات أي خارجي كان.
خامسا: أن الدولة العمانية حظيت باحترام وتقدير العالم، واكتسبت لها مكانة رفيعة في نظره، على مواقفها الحيادية الشجاعة من شتى القضايا العالمية والعربية. فإن هي اليوم تخلت عن هذا المبدأ الرصين وانقادت مع القطيع المهرول للتطبيع، سقطت من أعين الشرفاء والعالم الحر (وغير الحر!) وفقدت المكانة التي تعتز بها وتفتخر، وأصبحت في نظره من سقط المتاع، فاقدة لعزتها وتميزها والكرامة.
وهو أمر لا ترتضيه، فيما أعتقد، لنفسها ولا لشعبها الدولة العمانية ولو أدى بها ذلك الأمر إلى خرط القتاد.. فما الحياة إلا وقفة عز وصمود في وجه شتى صور الخنوع والخضوع للأجنبي الذي لن يورثها في نهاية المطاف إلا مكابدة الانحطاط والسقوط في مستنقع الذل والهوان المقيت..
فلتعش بلادنا عمان حرة أبية رغم كيد الكائدين.
-------