هل تورطت عائلتا حفتر والدبيبة في سرقة أموال ليبيا؟
حملت دراسات غربية عائلتي قائد القيادة العامة الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ابراهيم الدبيبة مسؤولية نهب أموال بلادهم وتحويل مدينة طرابلس الليبية إلى منطقة «منسية» على غير عادة هذه المدينة التي كانت محورَ الصراعِ على السلطة والثروة في ليبيا في السنوات الأربع عشرة الماضية، حسبما ذكر عدد من رجالُ الأعمال الليبيون والدبلوماسيون الأجانب العائدون من شرق ليبيا مذهولين، يتحدثون بدهشةٍ عن نشأة الطرق الجديدة والجسور والمباني العامة ومشاريع الإسكان بسرعة فائقة.
وأرجعت دراسة ترجمتها مجلة «الفراتس» الأميركية عن الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين وولفرام لاتشر هذه الدهشةُ إلى أن هذه المشاريعُ جاءت بعد أكثر من عقدٍ توقفت فيه مشاريعُ البنية التحتية الكبيرة، موضحا أن إعادةَ الإعمار الآن في المناطق التي تسيطرُ عليها عائلةُ خليفة حفتر، قائدُ «القيادة العامة»، بسبب القمع والفساد في ظلِّ القوةِ العائلية لحفتر، كما فعلتُ، من الأفضل ألا تذهبَ لتفقُّد الأمر بنفسك.
شركات مصرية تبني في المناطق الجنوبية
أما في طرابلس، فيسودُ الفتورُ في الإنشاء والبناء إلا طريقاً سريعاً يمرُّ بالمناطق الجنوبية من العاصمة وتبنيه مجموعةُ شركات مصرية في محاولة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة المقيم في طرابلس استرضاءَ الحكومة المصرية. يشكو المقاولون العاملون في مشاريع أخرى غربَ ليبيا من صعوبات في الحصول على مستحقاتهم ما لم يكن لديهم حلفاء في الدائرة المقربة من الدبيبة. وحتى إذا حصلوا عليها، فإن الأعمال تسير ببطء، لأن الحكومة لا تستطيع الوصول إلى التمويل المخصص للتنمية، حسب الدراسة.
ولفت الباحث الألماني إلى أن هناك تناقضا صارخاً، وسببه أن المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي يحتكران أموال النفط الليبي، وكلاهما في طرابلس ويتعاونان رسمياً مع حكومة الدبيبة لا مع الحكومة المنافسة بقيادة أسامة حماد المتخذة من بنغازي مقراً لها والبارزة واجهةً مدنية لحكم عائلة حفتر.
مراحل بسيطة
ورأى ان الملامحُ الأساسية لهذه المرحلة بسيطة، حكومتان متنافستان وكتلتان عسكريتان تدعمهما قوتان أجنبيتان هما تركيا وروسيا.
واعتبر الباحث الألماني أن الانقسامات الشكلية تُخفي تواطؤاً متزايداً بين الخصوم في ليبيا، ففي يوليو 2022 أبرم إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر صفقةً لتعيين مرشح حفتر، فرحات بن قدارة، رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط، ومقابل ذلك رفع حفتر الحصارَ جزئياً على إنتاج النفط الذي كان وسيلة الضغط على رئيس الوزراء الدبيبة ليجبره على التنحي، مشيرا إلى أنه منذ ذلك الحين عادت صادراتُ النفط لضخِّ الإيرادات إلى مصرف ليبيا المركزي ثمَّ إلى حكومة طرابلس التي دفعت الرواتب في البلادِ كلها.
حفتر وخصومه يستولوا على مبالغ كبيرة
كما أوضح أن كل من حفتر وخصومُه، من قادة المجموعات المسلحة الذين ضمنوا بقاء الدبيبة، على مبالغَ ماليةٍ أكبر والنفوذِ اللازم لتوزيع المناصب.
وقال الباحث الألماني وولفرام لاتشر إن قوّاتُ حفتر «ثادت سوقَ تهريب الوقود منذ أن بسطت سيطرتَها على جزء واسع من الحدود البرية والبحرية لليبيا، وتحولت قيادتُها هذه إلى هيمنة كاملة بعد أن تولى مرشح حفتر، فرحات بن قدارة، منصبَ رئيس المؤسسة الوطنية للنفط منتصفَ سنة 2022»، منوها إلى أن حفتر عيَّن لاحقاً أحدَ الموالين لابنه صدام رئيساً لشركة البريقة التابعة لها، وهي شركة تتولى مبيعات الوقود، ومنذ ذلك الحين استمرَّت كمياتُ الوقود المستورد في النمو، وزادت عملياتُ التهريب في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر.
اتهامات إلى الدبيية
ونقل الباحث الألماني روايات متضاربة عن أسباب خلاف رئيس المصرف المركزي، الصدّيق الكبير، مع الدبيبة الذي أنهى حالة الهدوء صيفَ سنة 2023.
وحسب رواية الكبير ومستشاروه فإن «إنفاقَ حكومة الدبيبة مرتفعٌ وغيرُ مستدام، ممَّا أجبر المصرف المركزي في أكتوبر 2023 على تعليق تصاريح الدفع لكلِّ شيءٍ إلا الرواتب. أخبرني أحدُ مستشاري الكبير أواخرَ سنة 2023 أن من نقاط الخلاف كانت الإنفاق الخيالي في هيئات القطاع العام التي يرأسها حلفاء مقربون من إبراهيم الدبيبة، مثل جهاز دعم الخدمات العلاجية وتطويرها، الإدارة التي تدفع للعلاج في المستشفيات خارج البلاد».
وقال الكبير إن« تكاليف استيراد الوقود المتزايدة والداعمة لهذه الأنشطة كانت غير مستدامة. فبين سنتي 2021 و 2023 زادت بياناتُ استيراد الوقود السنوية أكثرَ من الضعفِ لتبلغ ثمانية مليارات ونصف المليار دولار، أي ما يعادل ثلث عائدات النفط التي حُوِّلَت إلى مصرف ليبيا المركزي سنةَ 2023».
وندَّدَ الكبير أيضاً بالترتيبات المالية التي فَقَدَ السيطرةَ عليها وهو محافظ المصرف المركزي، فمنذ انقسام مؤسسات الحكومة الليبية سنة 2014 كان الكبيرُ المرجعيةَ المركزيةَ للسياسة النقدية والمالية في ليبيا، بينما منعتْ مقايضةُ المؤسسة الوطنية للنفط بقيادة فرحات بن قدارة رقابةَ المصرف المركزي على واردات الوقود.
يتهم الكبير وحاشيتُه بأن فساد حكومة الدبيبة هو سبب الخلاف. قال لي مسؤول ماليٌّ كبيرٌ مقرَّب من الكبير في ديسمبر الماضي: "إن التزامات إبراهيم تجاه حفتر وصدام وغنيوة [زعيم مجموعة مسلحة قوي في طرابلس تتجاوز بكثير ما وافق عليه الصدّيق الكبير.
محنة الدبيبة المالية
في الأشهر الأولى من سنة 2024، واصلت محنة الدبيبة المالية تفاقمها بينما غرقت عائلة حفتر وحكومتها في الشرق فجأة بالمال، حسب الباحث الألماني
وفي الأشهر الأخيرة من سنة 2023، أعاق التنافس بين الحكومتين الاستجابةَ للفيضانات الكارثية في مدينة درنة. دمّر انهيارُ سدّين بسبب هطول أمطار غزيرة أجزاءً كبيرة من وسط المدينة في سبتمبر ولقي أكثر من أربعة آلاف حتفهم، بينما ظلّ ثمانية آلاف آخرين مفقودين.
وتقول الدراسة الألمانية إن الفصائل الليبية استغلت هذه الكارثة للتقدم على منافسيها. أصدر الدبيبة صورياً على الورق مرسوماً بتخصيص ملياري دينار، أي نحو أربعمئة مليون دولار آنذاك بسعر الصرف الرسمي، للاستجابة الطارئة وإعادة الإعمار، بينما خصَّصَ مجلسُ النواب في الشرق خمسةَ أضعاف هذا المبلغ للحكومة الموازية. لكن لم يكن لحكومة الدبيبة وجود في درنة ولم يكن للحكومة الموازية وصول منتظم إلى التمويل من المصرف المركزي
شقيق حفتر
كان صدام حفتر قد أشرف على الاستجابة الأولية للأزمة، بينما أصبح شقيقه بلقاسم رئيساً للجنة إعادة إعمار درنة التابعة للحكومة الشرقية في ديسمبر 2023.
قال بلقاسم حفتر في حديثه إلى الصحافيين إن تمويل المشاريع التي يشرف عليها يأتي من المصرف المركزي، ويعتقد دبلوماسيون غربيون أيضاً أن المصرف المركزي في طرابلس قد موَّلَ الحكومةَ الشرقية، وإن كانوا يجهلون التفاصيل.
وقال بعض كبار المسؤولين الماليين في طرابلس إن المصرف المركزي قد أجرى تحويلات مباشرة إلى الحكومة الموازية، وصندوق بلقاسم.
لكن المصرف المركزي نفسه ينشر بيانات مفصلة عن عمليات الصرف التي يأذن بها، ولم يعلن عن أي تحويلات. وفي أغسطس 2024 أقرَّ المصرفُ المركزيُّ في طرابلس أوَّلَ مرة أن فرع بنغازي استخدم تسعمئة وخمسين مليون دولار في مشاريع البناء في الشرق، لكنه لم يذكر من أين جاء ما يعادل هذا المبلغ بالدينار.
اقرأ المزيد