حريات العمالة الآسيوية: سُم في العسل لدول الخليج
لم يقتصر تأثير العمالة الآسيوية في دول مجلس التعاون الخليجي على الاستحقاقات السياسية والأمن الاقتصادي، بل يتعاظم خطرها على الهوية القومية في دول الخليج الست، وفق محللين.
ورغم أن دول الخليج الست تدرك مخاطر الخلل الديموغرافي، إلا انها لم تشهد تحركا حاسما لوقف أو مجرد تحسين شروط اعتمادها الكامل على العمالة الآسيوية، بل إن هذا الوجود منحهم استحقاقات دينية تحت مسمى «الحريات العامة» دون النظر إلى الأبعاد السياسية، حسب وصف متخصصين.
في 2022 اندلعت عاصفة جدل في الخليج بعد افتتاح الإمارات العربية المتحدة معبدا هندوسيا في إمارة دبي بتكلفة 16 مليون دولار، فيما اعتبرته الحكومة الإماراتية دعما للحريات الدينية، وهو ما استنكره مغردون عبر منصة «إكس» حينها في ظل انتشار فيديو لإماراتيين يقبلون «بقرة» داخل المعبد.
شاهد | وصول أول بقرة هندوسية للعبادة في #الامارات ، وشيوخ الإمارات يتوافدون للإنحناء لها و تقبيلها ، وفي مقدمتهم نهيان بن مبارك آل نهيان وعدد من المسؤولين pic.twitter.com/ZGizFOc87c
— الخليج بوست (@alkhalejpost) October 6, 2022
في دول الخليج هيمن -على مدى عقود- قاموس تعاملات يومية دمج بين مصطلحات أردية وعربية، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي يقطنها نحو 3.5 مليون هندي، تستخدم اللغة الهندية في المحاكم الإماراتية بين عدد من اللغات الأجنبية الأخرى، كما يبث جزء من المحتوى التلفزيوني في البلاد باللغة الهندية، ضمن عدد من اللغات الأخرى الخاصة بالوافدين.
ويحذر المفكر البحريني د.على فخرو مما يعتبره «أخطارا ثقافية هائلة، ومن ضمنها على الأخص التراجع والتهميش لوجود استعمالات اللغة العربية في كثير من المجالات».
ويقول في تصريح إلى«خليجيون» إن هذه الحالة الثقافية «ستهدد مستقبلاً الهوية العروبية، بل حتى الإسلامية، في مجتمعات دول المجلس»، ولم يستبعد «مأساة خليجية مماثلة للمأساة الفلسطينية، والعديد من مآسي ضياع أجزاء من الوطن العربي في المستقبل».
تحديد مدة بقاء العامل في الدولة
على نحو مبكر استشعر مسؤولون خليجيون هذا الخطر، فكانت توصية وزراء العمل بمجلس التعاون الخليجي في اجتماع بمملكة البحرين 2004 «تحديد حد أعلى لبقاء العامل الأجنبي فى دول المجلس ست سنوات كحد أقصى، ولكن قوبل الاقتراح بالرفض لاعتبارات اقتصادية أرتاها أصحاب الأعمال في القطاع الخاص».
وفي هذا الشأن، يرى الدكتور مختار غباشي، الباحث السياسي، أن «طول الأمد الزمني للعمالة الآسيوية يمثل عامل خطورة»، ويوضح «العامل الآسيوي لا يكتفي بوجوده داخل الدولة ولكن يسعى إلى تأسيس أسرته داخل مجتمع خاص به، وهذا أمر كارثي بكل المقاييس».
الاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين تنص على الحق في حرية إظهار دينهم وممارسة شعائرهم وحرية التماس جميع المعلومات والأفكار
وبموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1990 ونُفذت في يوليو 2003، جاءت الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرة وأفراد أسرتهم حتى ترسخ وتتيح كافة الحريات دون النظر إلى تأثيرها على الهوية العربية.
وتنص الاتفاقية على: «الحق فى حرية الفكر والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية أن يكون لهم دين أو معتقد يختارونه أو أن يعتنقوا هذا الدين أو المعتقد، وحرية إظهار دينهم أو معتقدهم، إما منفردين أو مع جماعة وعلنا أو خلوة، عبادة وإقامة للشعائر، وممارسة وعليماً».
تغييرات واضحة في الهوية
ويتوقع الدكتور مختار غباشي «تأثيرا بالغ الخطورة للخلل الديموغرافي على الهوية والأعراف والتقاليد» ويقول «لمسنا بالفعل تغييرات واضحة في الهوية».
د.مختار غباشي: الخلل الديموغرافي في دول الخليج الست له تأثير بالغ الخطورة على الهوية والأعراف
لكن الباحث السياسي المصري يعيد التذكير «بموقف انجلترا والانسحاب من البريكس بسبب ازدياد عدد العمالة من أوروبا الشرقية إلى نحو 2 مليون عامل، وأعتبار الأمر يمثل خطورة على الاعراف والتقاليد الإنجليزية فضلا عن التأثير الاقتصادي».
ثقافة الاضطرابات والثورات
أما البعد الأخطر على الهوية، وفق مراقبين، هو تصدير ثقافة الاضطرابات والثورات إلى دول الخليج العربية، وهو ما ترجمته الاحتجاجات البنغلاديشية في الإمارات العربية المتحدة تضامنا مع انتفاضة شعبية أطاحت بحكم رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة في صيف هذا العام.
د.عبد الخالق عبد الله: النكسولايت جماعات وافدة إلى الخليج تؤمن بالعنف الثوري والتحريض ضد مؤسسات الدولة
وسبق أن حذر الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الإمارات فى بحث نشر له في عام 2006، إلى «مشاكل النيكسولايت، وهى جماعة وافدة من الهند تؤمن بالعنف الثورى وتعمل فى الوسط العمالى وتقوم بتنظيم وتحريض وتأجيج العمال والفقراء والعاطلين عن العمل وتدفع بهم نحو المواجهة العنيفة والمسلحة مع مؤسسات الدولة وأجهزة الأمن».
وأضاف الدكتور عبد الخالق «هذه الجماعة قررت الرحيل مؤخراً نحو دول الخليج العربى والتى تعتبرها العدو الثانى لها بعد الدولة الهندية من منطلق كونها دول رأسمالية تنمو وتزدهر من خلال استغلال الأيدى العاملة الهندية الرخيصة التى تعاملها معاملة لاإنسانية - على حد زعمهم-».
رغم ذلك، تتوقع مصادر الأبحاث ومنها (منظمة الخليج للأستشارات الصناعية ) ارتفاع الطلب الخليجى على العمالة الوافدة بنسبة 66%، بسبب التوسع فى المشروعات التنموية، أما شركة (ماكينزى العالمية ) فنتوقع أن يبلغ متوسط معدل نمو العمالة الوافدة ببلدان مجلس التعاون الخليجى إلى 92% خلال العقد المقبل. حسبما ذكرت ورقة عمل صادرة عن منظمة العمل العربية.
وما بين الطموح الاقتصادي ومخاوف الهوية، يقول الدكتور علي فخرو «لن يعدم الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية إيجاد الأسباب الكاذبة لخلق كيانات استئصالية مماثلة للكيان الصهيوني في الخليج العربي».
أقرأ المزيد
وسط التصعيد الإقليمي.. إيران تكشف عن «باليستي» و«مسيرة»
خليجيون| هل طوى محمد بن سلمان صفحة التطبيع مع إسرائيل؟
بارنييه يسابق الزمن.. يأمل تشكيل حكومته وسط احتجاجات اليسار الفرنسي