تقرير يرصد حجم الكارثة غير المسبوقة.. تكلفة إعادة إعمار غزة 40 مليار دولار ويحتاج إلى 80 عاما

تقرير يرصد حجم الكارثة غير المسبوقة.. تكلفة إعادة إعمار غزة 40 مليار دولار ويحتاج إلى 80 عاما
قنا

يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية واقتصادية كبرى، تعد من أسوأ ما شهده العصر الحديث، نتيجة للدمار الشامل الناجم عن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر 2023. حيث أدى القصف العنيف إلى تدمير واسع في البنية التحتية والمناطق السكنية والتجارية، مما جعل الوضع في القطاع أشبه بمنطقة منكوبة تتطلب جهودا دولية ضخمة وغير مسبوقة للتعامل مع التحديات القائمة.

ومع استمرار الصراع، تزداد الحاجة إلى استجابة دولية عاجلة وشاملة لمعالجة تداعيات هذه الأزمة، حيث باتت تكلفة إعادة إعمار غزة تقدر بنحو 40 مليار دولار، وسط تقديرات تشير إلى أن التعافي الكامل قد يستغرق ثمانية عقود في ظل الإمكانيات والظروف الحالية. هذه التوقعات لا تقتصر فقط على عمليات البناء والترميم، وإنما تتجاوز ذلك لتشمل التحديات البيئية والصحية والإنسانية التي ستتطلب استراتيجيات طويلة الأمد وتعاونا دوليا مستداما.

مهمة صعبة

وفي هذا السياق، أكد عبد الله الدردري، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن حجم التدمير في غزة يضعها أمام مهمة ضخمة وغير مسبوقة، تتطلب استجابة دولية ذات طابع فريد.

وأشار الدردري إلى أن التكلفة الأولية لإعادة إعمار القطاع، بحسب البيانات المستمدة من صور الأقمار الصناعية، تبلغ حوالي 18 مليار دولار، غير أن القيمة النهائية قد تتجاوز هذا الرقم بكثير، لا سيما مع تصاعد حجم الدمار وتزايد حجم الركام يوما بعد يوم.

وحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قد تصل التكلفة الإجمالية لإعادة بناء ما دمر إلى ما بين 30 و40 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من أكبر عمليات إعادة الإعمار التي يتعين على المجتمع الدولي مواجهتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وأشار البرنامج الأممي إلى أن حجم الركام الذي خلفه هذا الدمار يعد غير مسبوق حتى بالمقارنة مع مناطق نزاع أخرى. فقد بلغت كمية الأنقاض في غزة نحو 37 مليون طن، ما يعادل نحو 300 كيلوغرام من الأنقاض لكل متر مربع من مساحة القطاع، ويتوقع أن يصل إلى 40 مليون طن قريبا.

عقبات إضافية

ولإيضاح ضخامة هذه الكمية، يقارن مونغو بيرتش، المسؤول عن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، حجم الأنقاض في غزة بالجبهة الأوكرانية التي تمتد على مسافة تزيد عن ألف كيلومتر، في حين أن قطاع غزة، الذي لا يزيد طوله عن 25 ميلا، بالكامل يعد جبهة قتال، وهو ما يجعل عملية التنظيف وإزالة الأنقاض في غزة أكثر تعقيدا.

كما أن عمليات إزالة الركام تواجه عقبات إضافية بسبب تواجد القنابل غير المنفجرة والألغام في العديد من المواقع، فضلا عن احتواء هذه الأنقاض على مواد خطرة مثل الأسبستوس، والتي تتطلب معالجة خاصة نظرا لأضرارها الصحية الخطيرة.

وبرغم حصول دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام على تمويل مبدئي بقيمة 5 ملايين دولار، إلا أن هذا المبلغ يعد غير كاف إطلاقا للمرحلة القادمة من العمل، إذ يتطلب استمرار الجهود نحو 40 مليون دولار إضافية، بالإضافة إلى مئات الملايين الأخرى لتتمكن فرق الإغاثة والمساعدة من إعادة القطاع إلى حالة آمنة للعيش.

ويعكف المجتمع الدولي، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، على إنشاء فرق متخصصة لتفكيك الألغام وإزالة القنابل غير المنفجرة لضمان سلامة الأهالي وسلامة المناطق السكنية في المستقبل.

كارثة إنسانية ضخمة

إلى جانب التحديات اللوجستية والتقنية، تواجه غزة كارثة إنسانية واجتماعية ضخمة، إذ دمر نحو 72 بالمئةمن المباني السكنية بشكل كامل أو جزئي، وتراجع مستوى التنمية البشرية في القطاع بمعدل عقود إلى الوراء.

ويقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن نحو 400 ألف شخص في غزة بحاجة إلى رعاية نفسية، ما يعكس عمق الآثار النفسية التي خلفها النزاع على السكان. كما ألحق الدمار الشامل خسائر كبيرة بقطاعات حيوية أخرى، حيث دمرت البنية التحتية الصحية والتعليمية بشكل شبه كامل، فيما فقد الاقتصاد المحلي أكثر من 80 بالمئة من حجمه خلال الربع الأخير من عام 2023، مما وضع سكان القطاع في مواجهة مباشرة مع مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة.

وفي هذا السياق، توقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن استمرار النزاع لشهور إضافية قد يؤدي إلى ارتفاع معدل الفقر في القطاع من 38.8 بالمئة في نهاية عام 2023 إلى نحو 60.7 بالمئة، ما سيفاقم من الأعباء على كاهل الطبقة المتوسطة التي ستجد نفسها تحت خط الفقر. هذا إلى جانب الأضرار التي طالت شريحة كبيرة من الأسر التي فقدت منازلها ومصدر رزقها نتيجة للدمار.

ويشكل غياب ممرات آمنة وعدم توفر بيئة آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية تحديا آخر أمام المجتمع الدولي، إذ يعد التنسيق بين المؤسسات الإغاثية المختلفة أمرا ضروريا لإيصال المساعدات الغذائية والطبية العاجلة وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان. وبهذا تعمل الأمم المتحدة مع شركائها الدوليين على تنسيق هذه الجهود، لكن غياب الحلول المستدامة قد يعيق الوصول إلى الأهداف المرجوة.

واقع مأساوي

وفي تقريره حول الأوضاع في غزة، تحدث تور وينسلاند، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، الذي زار القطاع في سبتمبر الماضي، عن الواقع المأساوي الذي أفرزه الدمار الهائل جراء العدوان الإسرائيلي.

وأشار إلى أن الاحتياجات الإنسانية في القطاع كبيرة وتزداد يوما بعد يوم في ظل انهيار البنية التحتية الصحية والتعليمية، وتوقف إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود.وقد أدى هذا النقص الحاد إلى وقوع مجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، مما يكشف عن عمق المعاناة الإنسانية التي يعيشها السكان.

وأكد وينسلاند أن المدنيين الفلسطينيين يتحملون العبء الأكبر من هذا الصراع، حيث يستمر العنف في تدمير حياتهم ومصادر رزقهم. وقال: "إن كل يوم يمر يعرض المزيد من الأرواح للخطر"، مجددا دعوته إلى ضرورة وقف إطلاق نار إنساني فوري. وأوضح أن هذا الإجراء العاجل هو السبيل الوحيد لتخفيف المعاناة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى القطاع، مشددا على أن وقف إطلاق النار ليس مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة إنسانية لضمان حماية حياة المدنيين.

وتواجه الأمم المتحدة معضلة سرعة إعادة الإعمار في ظل الأطر التقليدية، حيث قد تتطلب العقود الطويلة لإعادة غزة إلى ما كانت عليه، فيما لا يملك الشعب الفلسطيني القدرة على الانتظار لعدة عقود.ولهذا يعتقد أنه من الضروري أن يتم تسريع خطط إعادة الإعمار وتوفير مساكن مؤقتة للأسر المتضررة، لضمان استعادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية للقطاع.

وتبقى قضية إعادة إعمار غزة واحدة من أعقد المهام التي تواجهها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث تتطلب تكاتف الجهود العالمية لمواجهة هذا التحدي غير المسبوق وضمان استمرارية الدعم والمساعدات حتى يتمكن السكان من العيش في بيئة آمنة ومستقرة.

أهم الأخبار