في زمن بوتين.. كيف تحول جواسيس روسيا الجدد من العمل في الظل ليصبحوا أبطالا تحت الأضواء؟
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرك جيدًا أهمية السرية في العمل الاستخباراتي، مستفيدًا من خبرته السابقة في جهاز المخابرات السوفيتية (KGB). لكن الحرب في أوكرانيا وسياقها السياسي دفعا بوتين إلى تبني استراتيجية جديدة، حيث بات الجواسيس الروس يظهرون تحت الأضواء بدلاً من العمل في الظلال.
في مشهد لافت، استقبل بوتين في أغسطس الماضي الجاسوسين أريتم وآنا دولتسيفا في مطار فنوكوفو بموسكو، مقدّمًا لهما باقة زهور. الجاسوسان كانا يعملان بهوية مزيفة في سلوفينيا كزوجين أرجنتينيين قبل أن يُكشف أمرهما ويُطلق سراحهما ضمن صفقة تبادل أسرى شملت الصحفي الأمريكي إيفان غيرشكوفيتش والجندي بول ويلان.
تحول في صورة الجواسيس
لطالما كان الجواسيس في الحقبة السوفيتية يختفون عن الأنظار بعد عودتهم، لكن نظام بوتين غيّر هذه القاعدة، محوّلاً الجواسيس إلى رموز عامة. يقول المؤرخ الروسي سيرجي رادشينكو: "الجاسوسية في عهد بوتين أصبحت مهنة محترمة، والجواسيس باتوا يُعاملون كأبطال شعبيين، مثل شخصية جيمس بوند أو الجاسوس الروسي الشهير ستيرلتز".
ويعكس هذا التحول صورة روسيا التي تحتفي بالعاملين في الاستخبارات كرموز وطنية. شخصيات مثل ماريا بوتينا، التي أُدينت في الولايات المتحدة بتهم التجسس وأصبحت لاحقًا نائبة في مجلس الدوما، توضح كيف يُستثمر تاريخ الجواسيس في بناء مكانتهم الاجتماعية.
عمليات استخباراتية علنية
يبدو أن روسيا استبدلت السرية بالجرأة في عملياتها الاستخباراتية. تقارير غربية تربط الجواسيس الروس بمحاولات اغتيال وتخريب في عدة دول أوروبية، إضافة إلى هجمات سيبرانية وتضليل إعلامي ضمن ما يُعرف بالعقيدة الروسية للحرب الهجينة التي طورها الجنرال فاليري جيراسيموف.
تُظهر هذه العمليات تصعيدًا في الأساليب الروسية منذ بدء الحرب في أوكرانيا. وتشير تقارير إلى أن روسيا تستغل جوازات سفر أوروبية لتفعيل شبكاتها الاستخباراتية وتوظيف مجموعات إجرامية لتنفيذ مهامها.
رسائل داخلية وخارجية
داخليًا، يرسل بوتين رسالة واضحة مفادها أن روسيا لا تتخلى عن عملائها، ما يعزز ولاء العاملين لصالحها. أما خارجيًا، فإن ظهور الجواسيس على الساحة العامة يمثل تحديًا للغرب، ويعيد تعريف أدوار الاستخبارات في سياق الصراعات الحديثة.
في حين تستمر روسيا في استخدام الجواسيس لتعزيز موقفها الدولي، تواجه تحديات متزايدة في ظل العقوبات الغربية وتضييق الخناق على عملياتها الاستخباراتية في أوروبا. ومع ذلك، يبدو أن موسكو مصممة على الاستفادة من جواسيسها كأداة سياسية وإعلامية في مواجهة خصومها.