90% من الشباب فى تايوان مصابين بمرض قصر النظر

حوالي 90% من الشباب في تايوان يعانون من مرض قصر النظر، ولكن الخبراء يقولوا أنه من الممكن وقف المنحني المتصاعد نحو زيادة اعداد المصابين بالمرض الذي يمكن الوقاية منه.
في أخر أيام معسكر التدريب الذي يدوم ثمانية أسابيع، يتم أختبار المجندين الجدد التايوانيين حيث يكون هناك العشرات من الجنود الشباب في اللباس القتالي الكامل يزحفون تحت الأسلاك الشائكة وخلال التحصينات فيما يتطاير حولهم التراب والركام الناتج من التفجيرات المحسوبة، فيما تتصاعد الأدخنة الملونة بالأخضر والأحمر لتحاكي هجوم كيميائي بالغاز، وهو ما يتطلب من المجندين أن يقوم بارتداء أقنعة الغاز بسرعة، ولكن في تلك اللحظة يتوقف العديد منهم ما يؤدي لايقاف التمرين بسبب قضائهم ثواني ثمينة في خلع نظاراتهم لأن قناع الغاز ضيق لا يسمح معه بارتداء النظارات.
المجندين معظمهم في مرحلة العشرينيات وتشير الإحصاءات أن ما لايقل عن 90% منهم يعانون بدرجات متفاوتة من مرض قصر النظر.
لدي تايوان واحد من أعلي المعدلات في العالم في الإصابة بمرض قصر النظر الي جانب العديد من دول شرق اسيا وسنغافورة. فبجانب فرق الجنود ذوي النظارات توجد العديد من الدلائل الأخرى التي تشير لأنتشار قصر النظر
عيادات قياس مستوي النظر منتشرة في كل مكان، وهناك طوابير من العملاء الذين ينتظرون للقيام بالقياس، جراحين تصحيح الأبصار بعمليات الليزر يقوم بالترويج لأحدث التكنولوجيات في المجال لمرضاهم والذين يقدموا لهم تلك الخدمات بثمن زهيد نسبيا لعدد كبير من المرضي كل يوم فتحاكي غرفة العمليات ما يحدث في خطوط التجميع، واذا زرت مكتب استقبال في مستشفى في تايوان بدلا من الأقلام المربوطة في المنضدة ففي الغالب ستجد زوج من النظارات بدلا منها.
"بمجرد بداية الإصابة بمرض قصر النظر، تدهور الحالة يكون سريعا جدا"
يقول الطبيب وو باي-تشانغ الباحث التايواني الرائد في مجال قصر النظر ومدير مركز علاج والوقاية من مرض قصر النظر في مستشفى كاوهسيونج:" صحة العين واحدة من أهم أعضاء الإحساس في اجسامنا، فكل يوم نستيقظ من النوم تكون العين هي او الحواس التي نستخدمها".
مرض قصر النظر من الأمراض التي يمكن الوقاية منها حيث يتسبب الطول الغير طبيعي لكرة العين في أن يتم تجميع الضوء أمام الشبكية وليس علي سطحها كما في الأشخاص الغير مصابين بقصر النظر، ويقاس مستوي التشوه ذلك بوحدة الديوبتر المستخدمة في قياس قوة العدسات، المصابين بقصر النظر الشديد (حيث يتجاوز مستوي التشوه مستوي سالب 5 ديوبتر) قد يصابوا بالعمي اذا لم يتم علاجهم. أهم وقت مؤثر هو في مرحلة الطفولة حيث لا تزال عين الطفل في مرحلة التطور والنمو، فيقول الطبيب وو:" بمجرد بداية الإصابة بمرض قصر النظر، تدهور الحالة يكون سريعا جدا"
ولفترة عقود قال العلم أن مرض قصر النظر هو حالة وراثية، ولكن بداية من فترة الستينيات والسبعينات حدثت زيادة بمعدل كبير للغاية في اعداد المصابين من دول شرق أسيا. والتي شهدت في هذا الوقت تحسن كبير في الحالة التعليمية والأقتصادية وقامت بالأنهاء علي هذا الأعتقاد الخاطئ. بحلول فترة التسعينيات معدلات الأصابة بقصر النظر في تايوان وهونج كونج وكوريا الجنوبية وسنغافورة أرتفعت من نسبة 20% لتصل إلي أكثر من 80%. والصين والتي تأخرت بسبب الثورة الثقافية متوقع أن تلحق بهم.
قامت الحكومات بدراسة الظاهرة بشكل معمق، ولكن تبين ان تفسيرها بسيط للغاية، فالأن يعرف ان قصر النظر يرتبط بالاستخدام المفرط "للعمل عن قرب" للعين، مثل القراءة والمذاكرة والعمل عي الكمبيوتر، ووجدت دراسات حديثة أن زيادة الوقت الذي يقضيه الأنسان في أنشطة الهواء الطلق يشكل عامل حماية كبير لحاسة البصر.
يقول العلماء أنه لهذا السبب ارتفعت نسب الأصابة بقصر النظر في دول شرق أسيا وسنغافورة، حيث الثقافة العامة هناك تؤكد علي أهمية الحصول علي نتائج مرتفعة في مراحل التعليم للحصول علي وظائف جيدة تضمن حياة مستقرة ومستوي عيش مرتفع، حيث فضل أولياء الأمور قضاء أبنائهم ساعات طويلة كل يوم للدراسة بدلا من ممارسة الأنشطة خارج المنزل.
وتنتشر تلك المشكلة الأن حول العالم، ففي دراسة نشرت في سبتمبر الماضي في مجلة طب العين البريطانية وجدت أن معدل الأصابة بقصر النظر حول العالم قد أزداد ثلاث أضعاف في الفترة بين عام 1990 وعام 2023. وبحلول عام 2050 يتم الأعتقاد أن نصف تعداد العالم سيكون مصاب بقصر النظر، مع ظهور مبكر للمرض وتطور سريع وتفاقم أشد للمرض.
ولا تزال معدلات الأصابة بقصر النظر مرتفعة في تايوان ولكن برامج الحكومة والبرامج الاجتماعية اظهر بعض مؤشرات النجاح في خفض معدلات الأصابة، ويقول الخبراء أن معدلات الأصابة أنخفضت قليلا عن اعلي معدل مسجل للأصابة بقصر النظر، وفيما ترتفع معدلات الأصابة في دول الغرب فقد يكون لدي تايوان دروس مستفادة تشاركها مع العالم.
وقت اللعب في الخارج أم الوقت أمام الشاشات
الطبيب وو باي-تشانغ المصاب نفسه بقصر النظر. كان طبيب مقيم حديث التعيين عندما بدأ في ملاحظة أن عدد كبير من مرضاه وزملائه أيضا مصابين بقصر النظر، والكثير منهم يوجه مضاعفات خطيرة بسبب تقدم حالة المرض السريعة. فأصبح هذا المجال شغله الشاغل، وفي عام 2004 وجدت ورقة بحثية أن قصر النظر هو المسبب الأول للعمي الدائم في تايوان، وبسبب جماعة الضغط التي قادها الطبيب وو باي-تشانغ الذي أصبح عضوا في مجلس مستشاري الدولة قامت الحكومة بتنفيذ سياسات جديدة بما فيها اختبار نظر كل الطلاب في المدارس مرتين في العام، وكذلك تحسين خيارات العلاج المتاحة، ولكن مع ذلك فمعدلات الإصابة في زيادة.
ويقول البروفيسور أيان مورجان الخبير في مجال قصر النظر في الجامعة الأهلية في استراليا:" تتطور العين بشكل سريع في مراحل الطفولة، يبدأ قصر النظر في الاستقرار بين عمر 18-20 عام. لذلك أذا أصيب طفل في السادسة بقصر النظر فأمامه 14 عام لتتدهور فيه حالته"
ولكن بعد ذلك بعامين قامت دراستين - أحداها من استراليا قادها البروفيسور أيان مورجان- بتقديم بادرة أمل لتايوان، كلتا الدراستين وجدت أنه بزيادة الوقت الذي يقضيه الأطفال في ممارسة الأنشطة في الخارج كلما قلت فرص الإصابة بمرض قصر النظر.
وقام الطبيب الطبيب وو باي-تشانغ بتكرار الدراسة ووجد نتائج مماثلة. وهو ما ادي ألي المبادرة الحكومية في عام 2010 والتي أطلق عليها اسم مبادرة (120 دقيقة كل يوم) والتي تطالب بان يقضي الأطفال ما لا يقل عن ساعتين في الخارج كل يوم "كعامل حماية للبصر".
وكما قال الطبيب وو باي-تشانغ: "كان الأمر في الواقع بسيطًا للغاية - [كانت المشكلة] أن قصر النظر له عامل حماية وعامل خطر، لكننا ركزنا فقط على عامل الخطر".
قامت تلك المبادرة بكسر وعكس الاتجاه المتصاعد نحو زيادة معدل الإصابة بقصر النظر، فأنخفض معدل الإصابة بقصر النظر بين أطفال المرحلة الابتدائية من نسبة 50% إلي 45% خلال بضع سنوات. وفي منطقة يالان في تايوان في عام 2014 قامت مبادرة مجتمعية بتقليل معدلات الإصابة بمقدار النصف في المستوي ما قبل المدرسة.
وقام هذا بتشجيع الباحثين فلقد وجدوا طريقة لإبطاء بداية وسير المرض، ما يسمح للأطفال بالوصول للمرحلة المهمة في البلوغ واستقرار قصر النظر بأقل أضرار ممكنة.
ولكنهم كانوا بحاجة بأقناع المدارس وأولياء الأمور من تقليل الساعات التي يقضيها الأطفال في عمل الواجبات المنزلية.
وتقول الإحصاءات الرسمية من دولة تايوان أن معدلات الإصابة بقصر النظر تسوء في الوقت الذي ينتقل فيه الطلاب للمراحل الدراسية الجديدة التي تتطلب زيادة مفاجئة في ساعات الدراسة. ووجدت دراسة نشرت في عام 2017 أن معدلات الأصابة بقصر النظر ازدادت من نسبة 9% إلي 19.8% بين عمر السادسة والسابعة، وذلك حين يبدأ الأطفال في دخول الصف الأول في المدارس، بينما ازدادت تفاقم قصر النظر بنسبة 50% بين الصفين السادس والسابع.
في مدرسة إعدادية في وسط تايبيه عاصمة تايوان، يصطف العشرات من طلاب الصف الثامن خارج عيادة المدرسة للقيام بكشف النظر الذي يتم مرتين في العام. واذا أبدي أي منهم أعراض لتفاقم قصر النظر يقوم العاملين في العيادة المدرسية بارسال خطاب للوالدين تطلبهم بتقديم اثبات للمتابعة الطبية في خلال أسبوعين.
وهناك أيضا مخاوف عن تأثير الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات، وهو الذي يزيد علي مستوي دول العالم، ففي دراسة من جنوب كوريا نشرت في الأسبوع الماضي وجدت أن كل ساعة يقضيها الأطفال أمام الشاشات تزيد من فرص الأصابة بقصر النظر.
طلاب المرحلة الابتدائية الذين قضوا معظم فترة جائحة كورونا أمام شاشات التعلم عن بعد وهو الذي ادي لزيادة الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات بثلاثة أضعاف وذلك حسب التقرير الذي صدر في عام 2023، ادي ذلك لزيادة معدل الإصابة بقصر النظر بقدار مرتين ونصف علي الأقل، و في مقاطعة شاندونج الصينية يقول الطبيب وو باي-تشانغ ان معدل الإصابة ازداد من نسبة 5% إلي 25% للأطفال بين عمر السادسة والسابعة.
والمعدلات في تايوان ما زالت مرتفعة ولكن البروفيسور مورجان والطبيب وو يقولان أن مرحلة الزيادة قد انكسرت وأن تايوان في طريقها لخفض معدلات الأصابة بقصر النظر، البيانات الحكومية قليلة للغاية لحد محبط، ولكن الطبيب وو باي-تشانغ يقول انه في بصدد أنهاء دراسة مدتها عشر سنوات والتي تقترح ان الاتجاه السائد الأن هو الانخفاض بشكل قليل عن ما كانت عليه قبل عشر سنوات.
وفي مدرسة تايبيه الإعدادية، يقول المدرسين أن الطلاب يحصلون علي حوالي الساعة من الأنشطة خارج قاعات الدراسة خلال كل يوم دراسي وربما حوالي 30 دقيقة خلال ذهابهم للمنزل، ولكن مع نمو الأطفال فالضغط عليهم من أجل الدراسة بشكل أكبر يزداد.
وعندما سألنا المدرسين من أين يأتي هذا الضغط، هل من المدرسة أم من زملائهم أم من الوالدين ردوا ضاحكين:" من كل مكان".
".
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك