استشهاد وإصابة نحو عشرة آلاف من المدنيين ورجال الأمن بيد داعش.. ومصرع أكثر من عشرين ألف إرهابي خلال العام 2021
أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تقريرا مطولا عن أنشطة التنظيمات الإرهابية على مدار خمس سنوات كاشفا عن مدى تغلغل التنظيمات الإرهابية وخطورتها على أمن الدول واستقرارها، وما تسببت فيه من معاناة للشعوب بكل طوائفها جراء الجرائم الدموية التي قامت بها تلك التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي الذي كان أكثر التنظيمات الإرهابية وحشية وإجرامًا، ونتيجة لمتابعة دامت خمس سنوات فقد توصَّل المرصد إلى بعض النتائج الخاصة بتطور مؤشر الإرهاب في العالم، أوجزها فيما يلي:
عام 2021م:
حلّ عام ٢٠٢١م، لتتواصل حالة التراجع في أنشطة التنظيمات المتطرفة، تلك الحالة التي بدأت منذ عام 2018م، حيث هدأت الأوضاع الأمنية كثيرًا وتقلصت بقعة العناصر الإرهابية بشكل كبير، حتى لم يبق لهم سوى بعض الأوكار النائية والمعاقل السرِّية التي لن تلبث حتى تنكشف لقوات الأمن ليدكوها على عناصرها. وبلغة الأرقام كان إجمالي عدد العمليات الإرهابية والهجمات المسلحة خلال عام 2021م (249) عملية انتحارية و(853) هجومًا مسلحًا، ما أسفر عن مقتل (6071) شخصًا وإصابة (4003) آخرين في صفوف المدنيين وقوات الأمن. بينما على صعيد المكافحة فقد أسفرت جهود قوات الأمن في مكافحة الإرهاب عن تصفية (20562) عنصرًا مسلحًا وإصابة (6867) واعتقال (2738) آخرين في صفوف التنظيمات الإرهابية.
عام 2020م:
ويأتي عام ٢٠٢٠م ويفقد تنظيم داعش الإرهابي سيطرته الكاملة على معظم الأراضي التي كانت بحوزته في سوريا والعراق، ويواصل مؤشر الإرهاب انخفاضه إثر الهزائم التي تعرَّض لها التنظيم للنصف تقريبًا، وبالنظر إلى حصاد ضحايا الإرهاب عام 2020م يتضح أن إجمالي العمليات التي نفّذتها التنظيمات الإرهابية خلال ذلك العام بلغت (315) عملية إرهابية استخدم فيها الإرهابيون إستراتيجيات متباينة ما بين هجمات انتحارية وهجمات بسيارات مفخخة وألغام أرضية وأحزمة ناسفة وغيرها، الأمر الذي يشير إلى رغبة تنظيمات الإرهاب في تنفيذ أجنداتها الوحشية والإفلات من الملاحقات الأمنية والنجاة من شباك قوات المكافحة. وقد شملت العمليات الإرهابية خلال عام 2020م ما مجموعه (28) دولة ما يمكن تفسيره بأنه محاولة جديدة من التنظيمات الإرهابية لإثبات وجودها على الأرض وتثبيت أنصارها بعد الهزات العنيفة التي تعرضوا لها جراء الخسائر التي تكبدتها تنظيمات الإرهاب الأسود على مدار عامي 2018م و2019م. ومما تجدر الإشارة إليه أن تحليل النشاط الإرهابي للتنظيمات المتطرفة خلال عام 2020م أوضح أن اعتماد التنظيمات الإرهابية على العمليات الانتحارية ارتفع بنسبة بلغت (35.5%) مقارنة بعام 2019م، في حين سجَّلت الهجمات المسلّحة انخفاضًا بنسبة بلغت (8%)، وهنا يمكن استخلاص نتيجة مهمَّة حول الدافع وراء اعتماد التنظيمات الإرهابية على العمليات الانتحارية أكثر منه على الهجمات المسلحة وهي ارتفاع عدد العناصر المنضمَّة للتنظيم من خلال وسائل الاستقطاب المتنوعة ومدى تأثير التنظيم وأسره لعقول هذه العناصر لدرجة اقتناعهم بأن التضحية بالنفس في سبيل التنظيم هي أول خطوة على الطريق إلى الجنة، وهنا تبرز أهمية المواجهة الفكرية والعمل على تجفيف منابع الاستقطاب وحتمية فرض سياج من الأفكار المعتدلة تحول دون تسلُّل الفكر المغلوط إلى عقول الشباب، كما تبرز نتيجة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها وهي أن قدرة التنظيمات المتطرفة على إطلاق عمليات منظَّمة صار من الصعوبة بمكان في ظل تكثيف جهود المكافحة الأمنية والحرب الميدانية على الإرهاب في مختلف عواصم العالم.
عام 2019م:
على الرغم من أن عام ٢٠١٩م، شهد استمرارًا لانخفاض مؤشر الإرهاب من حيث عدد الضحايا والمصابين وعدد العمليات الإرهابية، فإن ذلك الانخفاض لم يمنع من اتساع بقعة انتشار التنظيمات الإرهابية لتشمل (27) دولة، أولها من حيث شِدَّة التأثر أفغانستان، وآخرها إثيوبيا، وهو العام الذي جاءت فيه مصر في المرتبة السادسة عالميًّا من حيث عدد ضحايا ومصابي العمليات الإرهابية جراء عملية إرهابية واحدة نفذها تنظيم داعش الإرهابي واستهدفت مسجد الروضة بمدينة العريش، في أثناء إقامة صلاة الجمعة، وأسفرت عن استشهاد ما يزيد على (300) شخص وإصابة أكثر من (120) آخرين. لكن الجيش المصري بذل قصارى جهده في القضاء على الإرهابيين ودك معاقلهم، فقتل منهم (1323) عنصرًا مسلحًا، وأصاب (48) واعتَقَل (549) آخرين.
عام ٢٠١٨م:
بنظرة أكثر تحليلًا لتداعي الإرهاب الداعشي في العالم خلال عام 2018م يُلاحظ خروج بعض الدول من قائمة المتضررين من الإرهاب مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا وبلجيكا. وفي هذا العام جاءت العراق في المرتبة الرابعة بعد أن كانت في المرتبة الأولى عام 2017م، وأفغانستان في المرتبة الأولى بعد أن كانت في الثانية. وهو ما يشير إلى هزيمة داعش في العراق وانتقاله إلى أفغانستان خلال تلك الفترة. كما انخفضت نسبة العمليات الإرهابية وما نتج عنها من خسائر بشرية في كلا الفريقين إجمالًا وتفصيلًا، وهي نتيجة تبدو منطقية نتيجة لتراجع النشاط الداعشي في تلك الفترة. ولا يمكن غض الطرف عن أن التراجع الذي شهده مؤشر الإرهاب العالمي في عام 2018م مقارنة بعام 2017م يشير إلى جني بعض من ثمار تضافر الجهود لمكافحة الفكر المتطرف. ولعل ما يؤكد هذه النتيجة الأرقام التي استطاع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إحصائها من خلال متابعاته والتي أشارت إلى وقوع (344) عملية إعدام نفذتها التنظيمات المتطرفة خلال عام 2018م مقابل (1967) حالة عام 2017م، بنسبة انخفاض بلغت (82.5%). والأمر ذاته بالنظر لأعداد الضحايا الذين سقطوا جراء الإرهاب، حيث بلغ عددهم (9163) ضحية في عام 2018م مقابل (16623) ضحية في عام 2017م، بنسبة انخفاض بلغت (44.8%)، وبطبيعة الحال انخفضت كذلك أعداد المصابين من (16605) مصابين عام 2017م إلى (7107) مصابين في عام 2018م بنسبة انخفاض بلغت (57%). وفي ظل ذلك التراجع الملحوظ لأنشطة التنظيمات المتطرفة في عام 2018م انخفضت أعداد القتلى في صفوف عناصر الإرهابيين من (22207) قتيل في عام 2017م لتصبح (14132) قتيلًا عام 2018م بنسبة انخفاض بلغت (36%) ما يعكس إحجام التنظيمات عن تنفيذ عمليات جديدة خلال ذلك العام في خطوة قد يكون الهدف منها إعطاء الأولوية للحفاظ على البقية الباقية من عناصره، وفي الوقت ذاته الحذر الذي التزمته قوات المكافحة حيال أية ضربات استباقية يتم توجيهها لمعاقل التنظيمات.
عام 2017م
: طالت جرائم التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي في هذا العام (24) دولة في العالم، أولها العراق وآخرها روسيا. وكان عام 2017م هو الأعلى نسبة في عدد الضحايا والمصابين والمختطفين في صفوف قوات الأمن والمدنيين، وكذا عدد القتلى والمصابين والمعتقلين في صفوف الإرهابيين، ولعل السر في ذلك أن هذا العام شهد ذروة نشاط التنظيم الذي أراد أن يعلن عن نفسه، تنظيمًا وحشيًّا بات يمثل التهديد الأكبر على أمن العالم واستقراره. وفي نهاية عام 2017م الدامي كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على أكثر من نصف الأراضي العراقية والسورية، وكان يحتل المراكز المهمة والإستراتيجية، ثم تقلصت بقعته في عام 2018م في العراق وسوريا بفضل جهود المكافحة الأمنية للنشاط الداعشي من القوات المحلية وقوات التحالف الدولي، ما أسفر عن هزيمة التنظيم جزئيًّا وانتقاله إلى دول أخرى في شرق آسيا.
وفي نهاية هذه الجولة التي طوَّف فيها المرصد بقرائه مستعرضًا تاريخ الإرهاب الأسود على مدار خمس سنوات 2017م-2021م، وما كان في هذه الأعوام من جرائم وحشية ارتكبها منتسبون للإسلام، يؤكد المرصد على أن هؤلاء المتطرفين هم أبعد ما يكونون عن الإسلام، فهم لا يقيمون له ركنًا، ولا يؤدون له واجبًا، ولا يعلمون من الدّين شيئًا، إذ إنهم لو كانوا يعلمون ما سلكوا هذا الطريق ولما كانوا سببًا في وصم دين الرحمة والسماحة بالإرهاب، وعقيدة التعايش والاندماج بالإكراه واضطهاد الآخر. ويُلاحظ أن تفاوت نسب العمليات الإرهابية وما أسفرت عنه من ضحايا ومصابين ومختطفين في الدول جاء نتيجة لعدة أسباب، أهمها: إحكام القبضة الأمنية الداخلية لكل دولة، ومدى صلاحية الأرض المستهدفة للاشتباكات المسلحة، ووجود أزمات داخلية وصراعات محلية يستغلها الإرهابيون في التسلل إلى أراضي تلك الدول وممارسة أنشطتهم وبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين. فلولا هذه الأزمات وتلك الفتن والنزاعات الداخلية ما انتشرت العناصر الإرهابية وما استطاعت الزحف بأفكارها ومعتقداتها لتصل إلى كل بيت في كل دولة، ولاندثرت الأفكار المتطرفة، ولاستطاعت قوات الأمن محاصرة تلك العناصر في بؤرها والقضاء عليها، لكن ما حدث أن أصبح هؤلاء التكفيريون المفسدون أشدَّ ابتلاءات العصر وأقبح ظاهرة اجتماعية تمرُّ بها الشعوب في عالمنا المعاصر، حتى صار الفكر المتطرف أكبر معاول هدم الأمة الإسلامية، بل والعالم أجمع، وأبرز المخططات الرامية للقضاء على الأمن والاستقرار، فجعلت التنظيمات الإرهابية ذات الفكر المتشدد تخرج مانحة لنفسها حق حمل السلاح ساعية لإسقاط الحكومات وتدمير الدول في بحثٍ عن مجدٍ شخصي ونجاحات زائفة على أشلاء الأبرياء، وبإسقاط هذه الأسباب على أرض الواقع نجد أن العراق كان على رأس القائمة في 2017م وهو مسقط رأس تنظيم داعش الإرهابي، يليه أفغانستان حيث حركة طالبان والصراع المستمر منذ عدة عقود، ثم سوريا، ثم دول إفريقيا حيث حركة الشباب وجماعة بوكو حرام والميليشيات المسلحة، وفي النهاية إسبانيا وبريطانيا وروسيا ممن لم يستطع تنظيم داعش الوصول إليهم إلا على فترات متباعدة بعض الشيء.
وفي تطور لافت شهدت خريطة انتشار النشاط الإرهابي تغيرًا ملحوظًا حيث بدأت عملية انتقال العمليات الإرهابية والهجمات المسلحة من بؤر الإرهاب والمناطق المشتعلة المذكورة سلفًا إلى قارتي أوروبا وأمريكا، في تنفيذ للتهديدات المتكررة التي وجهها تنظيم داعش الإرهابي بنقل جبهة القتال من الشرق إلى الغرب، تلك التهديدات التي سلَّط الخطاب الإعلامي الداعشي أضواءه عليها أضحت واقعًا أليمًا من خلال تنفيذ بعض العمليات الدامية ومن بينها الهجوم على مسجد "كيبك" بكندا، ومطار "فورت لاودردال" بكاليفورنيا، وكنيسة "تكساس" بأمريكا، واحتفال في ولاية "لاس فيجاس"، ومترو أنفاق العاصمة البريطانية "لندن"، وغير ذلك من الحوادث الإرهابية التي وقعت في قلب العواصم الأوروبية والأمريكية. ولم يكتف تنظيم داعش بما أراقه من دماء بريئة وما خلَّفه من خراب ودمار، بل استعرت نيرانه وازدادت وحشيته وصار ينفذ هجمات نوعية بتكتيكات مختلفة بحسب طبيعة المناخ الأمني العام للموقع المستهدف، ما يشير إلى أن التنظيم لا يحسن لغة إلا لغة القتل والتشريد وأنه كلما ضاق الخناق على التنظيم ازدادت وحشيته وعنفه كون ذلك العنف صادر عن غير ذي عقل ولا وعي، بل هو مجرد يد تنفِّذ ما خطَّه أعداء السلام.
ومن المعلوم أن الحرب ضد التنظيمات الإرهابية ليس فيها خاسر أو فائز، فالكل يتكبد خسائر فادحة، وغالبًا ما تتكلَّف تلك الحرب ضحايا كثر من بينهم مدنيون أبرياء نساء وأطفال. ولعل القارئ الكريم يلحظ أن الأعوام الخمسة شهدت منحنى تنازليًّا للنشاط الإرهابي، وهي ظاهرة إيجابية حبَّذا لو استمرت لتنتهي بإعلان القضاء على الإرهاب والتخلُّص من شروره، الأمر المرهون بتكاتف الجهات المعنية كافة من أفراد ومؤسسات وكل من يعنيه سلم المجتمعات وأمن الأوطان، وبذل الجهود من أجل استئصال هذا الورم السرطاني الخبيث ومحاربته فكريًّا وميدانيًّا.
ويوصي مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالمزيد من تكاتف الجهود، وتجديد العزائم، في محاربة هذا الفكر المتطرف والقضاء عليه، كما يوصي ببذل المزيد من الجهود في إطار المشاركات الفاعلة، وعقد الندوات وإعداد الخطط الناجحة، من أجل حماية أبنائنا وشبابنا من الوقوع في براثن التطرف ومستنقعات الإرهاب. ويُشيد المرصد بجهود القوات الأمنية التي تسعى جاهدة - وبإخلاص- لإرساء الأمن والاستقرار في بلادها عن طريق محاربة العناصر التكفيرية ومكافحتها بكل السبل والوسائل الممكنة، وتدمير معاقلهم وأوكارهم، مما لا يدع مجالًا لهذا الفكر الخبيث للتخطيط أو حتى مجرد التفكير في تحويل العالم لساحات من الصراع والحروب المشتعلة.