مصر بخير.. لكنها تعاني من "ديكتاتورية المحبطين"
بليت مصر في السنوات الأخيرة، بظاهرة يمكن أن يطلق عليها "ديكتاتورية المحبطين"، هؤلاء المحبطون باتوا يملأون الدنيا ضجيجا، وشعارهم الأبدي "أنا لا شيء يعجبني"، وكلما رأى أحدهم خطوة إيجابية في أى اتجاه حتى وإن أشاد بها العالم كله، بحث بهمة ونشاط في إيجاد سلبيات تلك الخطوة وتشويهها وتشويه القائمين عليها، ليثبت لنفسه أولا، ثم لـ "أولتراس المحبطين" المنشرين في عوالم " السوشيال ميديا" أنهم على صواب، وأن غيرهم مخطئ بالطبع، وأن المخالفين لهم "عبيد، وجهلة، وعوام.. .. إلخ " ففي تلك الرؤية السوداوية لجوقة المحبطين، راحة لأنفسهم، وتنصل من المسئولية، وإلقاء اللوم والعتب على أوهام، أن ثمة قوى مهيمنة ومسيطرة، تحول دون تحقيق أحلامهم السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية.
كان أصحاب "شلة المحبطين " قد صمتوا أو خفتت أصواتهم لفترة، بعدما حققت فيها مصر انجازات عديدة على كافة المستويات السياسية والإقتصادية وبدأت تتعافى من أثار سنوات "الفوضى"، لكن لأن مصر جزء لا يتجزأ من العالم فقد أصابها ما أصاب العالم من هزات اقتصادية عنيفة، بسبب جائحة كورنا وما تبعها من إغلاق تام، وتوقف في سلاسل الإمداد، ثم الحرب الروسية على أوكرانيا والقلق من تدهور الأمور ودخول العالم في أزمة غذاء طاحنة، بسبب أن روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب خاصة القمح في العالم.. لكن يتناسى هؤلاء المحبطون كل هذه الأسباب ولا يرون سوى ما يحدث في مصر ويهيلون التراب على كل الإصلاحات التي تحققت، وكأننا لم نحرز أي تقدم مع أن المؤسسات الاقتصادية ذات الشأن والثقة تشيد في كل قراراتها بخطوات مصر الإصلاحية.
بات معلوما للجميع أن أزمة كورنا أثرت بتفاقم التباطؤ في وتيرة الاقتصاد العالمي، وارتفاع في أسعار الطاقة وانخفاض الدخل الحقيقي، وارتفاع تكاليف الإنتاج وتشديد الأوضاع المالية، وزيادة القيود في سياسات الاقتصاد الكلي، كما أن الأزمة الروسية الأوكرانية، كانت سببا أخر في تراجع النمو العالمي من 5.7% في عام 2021 إلى 2.9% في عام 2022، واستمرار تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، وكذلك تباطؤ النمو في الدول المتقدمة من 5.1% إلى 2.6%، وانخفاض النمو في اقتصاديات الأسواق النامية من 6.6% إلى 3.4%.
كما الأزمة ساهمت الأزمة في انحسار الناتج المحلي العالمي 12.5 تريليون دولار عام 2024، وانخفاض في التجارة العالمية بنحو 285 مليار دولار، مشيرا إلى أن هناك تحذيرات للأمم المتحدة من ارتفاع مستويات الجوع بأنحاء العالم.
لكن السؤال هل مصر فعلا تعاني من أزمة غذاء كما تعاني دول كبرى كثيرة، في البداية لا بد أن نعرج على تعريف الأمن الغذائي كما اتفق عليه مؤتمر القمة العالمي للأغذية المنعقد عام 1996، وهو أن الأمن الغذائي هو الحالة التي يتحقق فيها حصول الجميع على الأطعمة الكافية والسليمة والمغذية في كل الأوقات، وبشكل يلبي الاحتياجات الغذائية الضرورية لحياة صحية ونشطة من التعريفات الأخرى للمفهوم، هو أنه قدرة الدولة على تأمين مخزون كاف للسلع الأساسية لفترة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على سنة، وتختلف المدة بحسب الدولة والمادة الغذائية الأساسية.. .وبحمد لله مصر فيها مخزون استراتيجي من كافة السلع الأساسية يكفي لعدة شهور ـ إذن فمصر لا تزال قادرة على مواجهة التحديات بما فيها من أزمات دولية طاحنة.
لكن أسوأ ما جرى من هؤلاء المحبطين أنهم عادوا يرددون شائعات الجماعات الإرهابية عن مصر واقتصادها كأنها حقائق، متعامين عما يجرى على أرض مصر من انجازات حقيقة في كافة المجالات وفي كافة أنحاء الجمهورية.. .صحيح أننا نعاني من الأزمات مثلنا مثل غيرنا لكننا حتما على الطريق الصحيح.
أما المحبطون ومن على شاكلتهم فلا دواء لهم ولن يروا في البلاد خيرا حتى إن صار اقتصادها الأول عالميا، لأنهم مرضى بالإحباط والدونية، يقول علماء النفس في التعريف المبسط للإحباط "هو مجموع مشاعر مؤلمة، كالإحساس بالضيق والتوتر والغضب والعجز والدونية، وينتج عن وجود عائق ما يحول دون إشباع حاجة عند الإنسان أو حل مشكلاته، وأن الكثيرين يعانون من الإحباط دون أن يعرفوا ذلك، الأمر الذي يجعلهم عاجزين عن مواجهة مشاكلهم ويفقدهم الثقة بأنفسهم، وحدد بعض المختص في الصحة النفسية خمسة علامات للمرض منها، أولا، الحزن الشديد: فأول علامات الإحباط هي الشعور بالحزن الشديد، أو حين يحس الإنسان في غالب الأحيان أن لا شيء في حياته على ما يرام، وهذا النوع من الحزن لا ينفع معه عزاء، فتجد الإنسان المحبط منغلقاً على نفسه دائماً وغير قادر على استقبال أية أفكار إيجابية، ثانياـ أفكار سوداء كل صباح: الإنسان المحبط يستيقظ كل صباح وهو يتوقع حصول أشياء سيئة خلال يومه.
ثالثا ـ غياب الرغبة وتقلب المزاج: يُعتبر غياب الرغبة في أي شيء علامة من علامات الإحباط. فالإنسان الذي لا يُعاني من الإحباط قد يحس بنوع من الضيق بسبب التعب في العمل، لكنه يشعر دائماً بأن هناك حوافز أخرى تنسيه هموم الحياة، كالعطل والخروج والحفلات. أما الإنسان المحبط فلا يرغب في أي شيء ولا يرى أي حافز في حياته، رابعاـ الانتقاص من الذات: يدل فقدان الثقة بالنفس على الشعور الشديد بالإحباط. ويتجلى الانتقاص من الذات في الإحساس الدائم بالفشل في الحياة العملية والأسرية، الإنسان المحبط يشعر أنه لا يستحق الحب والسعادة، خامسا فقدان الشهية واضطرابات في النوم والإحساس الدائم بالتعب والقهر، ويقترح خبراء النفس على من يعاني من تلك الأعراض زيارة طبيب نفسي، لتشخيص المرض وعلاجه واسترجاع لذة الاستمتاع بالحياة.
إذا طبقنا ما يقوله علماء النفس على كثيرين ممن يهاجمون البلاد في الداخل والخارج سنجدهم مرضى بالإحباط وأن ديكتاتوريتهم وأصواتهم العالية ومصادرتهم لحريات وحقوق الآخرين واتهامهم للأغلبية الساحقة من الشعب بأنهم عبيد، وأن أي شخص يتولى منصبا في البلاد دون رغبتهم أو هواهم فهو غير كفء، ومتهم في ذمته ووطنيته، يدل على أن هؤلاء تمكن منهم المرض بشكل ربما يستعصي على العلاج، وبات لا يجدي معهم الحوار السياسي، بل على الدولة أن تتكفل بعلاجهم.. .. ربما يكون في شفائهم الخلاص للبلاد
يتبقى في النهاية أن يعي المصريون الدرس جيدا ولا يلتفتوا للشائعات المغرضة التي تروجها جحافل الإرهاب وأهل الشر من الداخل والخارج، للحفاظ على استقرار وطنهم والمضى قدما نحو غد أفضل ومستقبل زاهر بإذن الله