٣٠٠ مليار دولار ديون.. قصة انهيار شركة التطوير العقاري Evergrande الصينية
تستحوذ أزمة مجموعة إيفرغراند الصينية China Evergrande Group المتخصصة في العقارات والغارقة في مديونيات تفوق 300 مليار دولار حاليا على اهتمام المستثمرين حول العالم، مع امتداد تأثيراتها داخل وخارج السوق الصيني، وذلك بعد أن توقعت المجموعة مؤخرا تخلفها عن سداد الديون مع مواجهة تحديات نقص السيولة وتقلص المبيعات بشكل كبير وهو ما شكّل ضغوطا على التدفقات النقدية.
وتحتل المجموعة المرتبة 227 ضمن قائمة فوربس غلوبال 2000 لعام 2021 وهي أكبر شركة عقارات في العالم من حيث الأصول البالغة 351.9 مليار دولار، بحسب القائمة نفسها.
وتواجه Evergrande مشكلة ضخمة في السيولة خاصة بعد تراجع المبيعات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلى جانب ارتفاع إجمالي المطلوبات على الشركة خلال العام الماضي بنسبة 5.4% ليصل إلى 1.95 تريليون رنمينبي (302 مليار دولار) في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، مقابل 1.85 تريليون رنمينبي ( 285.8 مليار دولار) في نهاية عام 2019، بحسب التقرير السنوي المنشور على موقعها الرسمي.
وانهار سعر سهم Evergrande على مدار العام الحالي بنحو 85% إلى 2.28 دولار هونغ كونغ ( 29 سنت أميركي) بنهاية التعاملات اليوم في بورصة هونغ كونغ مقابل 14.9 دولار محلي ( 1.9 دولار أميركي) في ختام التداول في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
تأثيرات عالمية وخسائر للمليارديرات
هبط سهم Evergrande بأكثر من 10% إلى 2.28 دولار هونغ كونغ ( 29 سنت أميركي) مقابل 2.54 دولار محلي (40 سنت) مع إغلاق الجمعة الماضية، لتفقد الشركة 3.4 مليار دولار محلي (533 مليون دولار) من قيمتها السوقية وتصل حاليا إلى مقابل 4.7 مليار دولار مقابل 5.2 مليار دولار في الإغلاق السابق.
تراجع مؤشر هونغ كونغ الرئيسي HIS بـ3.3% مع ختام التعاملات اليوم إلى 24، 099.14 نقطة مقابل 24، 920.76 نقطة في إغلاق الجمعة الماضية، وهو أسوأ أداء للمؤشر خلال نحو عام، حيث وصل إلى 24 ألف نقطة في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
افتتحت وول ستريت على تراجع لمؤشراتها الثلاث بأكثر من 1.5%، متأثرة بضغوط Evergrande على الأسواق العالميّة، كما تراجعت بورصات أوروبا منذ لحظة افتتاحها، نزل مؤشر CAC 40 الفرنسي 2.5% خلال التعاملات المسائية إلى 6، 401.69 نقطة، ومؤشر DAX الألماني 2.7% إلى 15، 074.45 نقطة.
هبطت ثروة رئيس مجلس إدارة Evergrande الملياردير هوي كا يان بنسبة 61.4% على مدار الأشهر الخمسة الماضية لتصل إلى 10.7 مليار دولار، بحسب الإحصاءات اللحظية لفوربس، مقابل 27.7 مليار دولار عند إطلاق قائمة أغنى مليارديرات العالم في أبريل/نيسان الماضي، كما أنه فقد 340 مليون دولار من ثروته خلال يوم واحد.
أدت مخاوف المستثمرين وتراجع ثقتهم في قطاع العقارات الصيني إلى موجة بيع لأسهم العقارات، أدت إلى تراجع سهم شركة Sinic Holdings بأكثر من 87% خلال التعاملات اليوم - لنحو 0.5 دولار هونغ كونغ أي أقل من سنت أميركي واحد- إلى وقف التداول على السهم.
تسبب ذلك في خسائر ضخمة لرئيس مجلس إدارة Sinic Holdings الملياردير تشانغ يوانلين الذي أمضى عام كامل من حياته لزيادة ثروته بقيمة 200 مليون دولار لتصل إلى 1.6 مليار دولار في أبريل/نيسان الماضي، مقابل 1.4 مليار دولار في نفس الشهر من 2019، ثم تسبب الفزع من أزمة أيفرغراند في خسارته 1.3 مليار دولار خلال يوم واحد لتصل حاليا إلى 250.7 مليون دولار ويفقد لقب ملياردير.
تراجعت ثروة رئيس مجلس الإدارة المشارك في شركة التطوير العقاري Guangzhou R&F، الملياردير تشانغ لي بنسبة 3.5% إلى 2.6 مليار دولار، خلال يوم واحد، كما أن ثروته استمرت في التراجع خلال الأشهر الخمسة الماضية بنسبة 18.8% حيث كانت قد بلغت 3.2 مليار دولار في أبريل/نيسان.
هبطت ثروة رئيس مجلس الإدارة المشارك في شركة التطوير العقاري Guangzhou R&F، الملياردير لي سزي ليم بنسبة 2.4% لتصل إلى ملياري دولار حاليا، فيما فقد ليم 800 مليون دولار من ثروته منذ أبريل/نيسان حين بلغت ثروته 2.8 مليار دولار.
دواعي القلق وتراجع المبيعات
ارتفع إجمالي المطلوبات على شركة Evergrande خلال العام الماضي بنسبة 5.4% ليصل إلى 1.95 تريليون رنمينبي (302 مليار دولار) في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، مقابل 1.85 تريليون رنمينبي (285.8 مليار دولار) في نهاية عام 2019، بحسب التقرير السنوي المنشور على موقعها الرسمي.
انهار سعر سهم Evergrande على مدار العام الحالي بنحو 85% إلى 2.28 دولار هونغ كونغ ( 29 سنت أميركي) بنهاية التعاملات اليوم في بورصة هونغ كونغ مقابل 14.9 دولار محلي ( 1.9 دولار أميركي) في ختام التداول في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
اتخذت مبيعات الشركة خلال الأشهر الثلاثة الماضية مسارا نزوليا مستمرا لتصل إلى 38.1 مليار رنمينبي ( 5.9 مليار دولار) في أغسطس/آب مقابل 43.8 مليار رنمينبي ( 6.8 مليار دولار) في يوليو/تموز و71.6 مليار رنمينبي ( 11.1 مليار دولار) في يونيو/حزيران الماضي.
تسجل الشركات العقارية في شهر سبتمبر/أيلول عادةً مبيعات أعلى مقارنة بباقي شهور العام، غير أن الشركة تتوقع استمرار التراجع في المبيعات مع نهاية هذا الشهر بسبب ضعف ثقة مشتريي العقارات المحتملين في المجموعة.
سيؤدي تراجع مبيعات سبتمبر/أيلول إلى استمرار التدهور في التحصيل النقدي من قبل الشركة والذي من شأنه أن يشكل ضغطا هائلاً على التدفقات النقدية ومعدلات السيولة في الشركة.
ارتفعت مبيعات المجموعة خلال الربع الأول من هذا العام بشكل طفيف 2% فقط -رغم سوء الأوضاع في فترة المقارنة- لتصل إلى 151 مليار رنمينبي ( 23.35 مليار دولار) مقابل 133 مليار رنمينبي ( 20.6 مليار دولار) في الربع الأول من عام 2020.
خبراء يرجحون لفوربس تدخل الحكومة
بدأت أزمة شركة Evergrande الصينية بسبب قوانين أقرتها الحكومة الصينية بغرض السيطرة على نمو سوق العقارات المتزايد، بالإضافة إلى أزمة السيولة التي تواجهها الشركة مع استحقاق آجال الديون، وهو ما ترتب عليه قلق واسع من قبل المستثمرين، بحسب الخبير الاقتصادي، وضاح الطه، في تصريحات لفوربس الشرق الأوسط.
رجح الطه تدخل الحكومة بحزمة إنقاذ للشركة لمنع سقوطها حيث ينطبق عليها مبدأ Too big to fail أي أنها كبيرة جدا على السقوط ما يعني أن انهيارها سيترتب عليه انهيار كيانات أخرى عملاقة في الدولة، فللشركة علاقات بـ119 مصرفا وأكثر من 110 مؤسسات مالية وآلاف المؤسسات التي تعمل في مواد البناء.
وهناك بحسب الطه احتمال أن تشتري الحكومة حصة في الشركة بشكل مؤقت لتوفير سيولة تمكنها من سداد المديونيات المستحقة، بهدف تفادي آثار سقوطها على الاقتصاد الصيني بشكل عام.
وبسؤاله عن تأثر أسواق الشرق الأوسط بالأزمة، ذكر الطه أن تعامل الشركة مع أسواق كثيرة حول العالم ربما يجعل آثارها ممتدة إلى الأسواق الأخرى ولكن ليس بالحجم الضخم الذي سيضرب السوق الصيني في حال سقوطها، مضيفا أن الشركة لديها حاليا 798 مشروعا تحت الإنشاء، كما أن محفظة الأراضي التابعة لها بلغت 231 مليون متر مربع في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ومن جهته، ذكر نائب رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية هيرمس، محمد أبوباشا، في تصريحات لفوربس الشرق الأوسط أن تأثيرات أزمة Evergrande الصينية ستكون واسعة لتطال الأسواق الأخرى في العالم حيث أن الاقتصاد الصيني يعتبر بمثابة قاطرة نمو الاقتصاد العالمي وبالتالي ستنعكس الأزمات التي تواجهه على الاقتصاد العالمي بشكل عام، مضيفا أن الأصداء ستصل إلى الشرق الأوسط نظرا للعلاقات الاقتصادية التي تربط الصين بالدول في المنطقة وخاصة المصدرة للبترول.
ورجح أن الحكومة الصينية سيكون لها "تصرف ما" للحد من الأزمة وطمأنة الفزع الذي يسيطر على قطاع العقارات الصيني حاليا، حيث أن هذا القطاع كان قد شهد طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، وضخ الكثير من المستثمرين أموالا فيه، وهو ما يزيد من صعوبة الأزمة حاليا.
وأكد خبير أسواق المال، هاني توفيق، لفوربس الشرق الأوسط أن الحكومة الصينية سيكون عليها دور ما لتلعبه خلال الفترة المقبلة للمساعدة في حل الأزمة وتابع: بالطبع لن تتحمل الحكومة الدين الضخم الذي يفوق 300 مليار دولار ولكن عليها "إرسال إشارة ما" لتفادي تفاقم الأزمة.
أصبحت المؤسسات المالية حول العالم حاليا مرتبطة ببعضها البعض وبالتالي سيشمل تأثير أزمة إيفرغراند كافة الأسواق، كما أكد توفيق.
مخاطر التعثّر
ذكرت المجموعة قبل أيام قليلة أن شركتين من شركاتها التابعة فشلتا في توفير التزامات بقيمة 934 مليون رنمينبي (144.4 مليون دولار)، وتجري الشركة مناقشة مع الدائنين بهدف الوصول إلى ترتيبات سداد مقبولة للطرفين.
غير أن المجموعة أكدت أنه في ضوء الصعوبات والتحديات التي تواجهها لتحسين السيولة فإنه ليس هناك ما يضمن أن المجموعة ستكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية، مما قد يؤدي إلى التخلف عن السداد رغم مطالبة الدائنين بتعجيل السداد وهو ما يؤثر سلبيا على أعمال المجموعة وتوقعات أدائها ووضعها المالي.
وتضع هذه التطورات الأخيرة خطط الشركة لخفض أعباء الدين المستحقة هذا العام بمقدار 150 مليار رنمينبي ( 23.2 مليار دولار) على مدار عام 2021 في مهب الريح، حيث كانت تستهدف خفضها من 716.5 مليار رنمينبي ( 110.8 مليار دولار) إلى 560 مليار رنمينبي ( 86.6 مليار دولار) بحلول نهاية عام 2021 على أن تصل إلى 450 مليار رنمينبي ( 70 مليار دولار) في نهاية يونيو/حزيران 2022، و54 مليار دولار في نفس الشهر من عام 2023.
اتفقت الشركة مع كل من Houlihan Lokey و Admiralty Harbour Capital بصفتهم مستشاريين ماليين لتقييم هيكل رأس مال المجموعة والسيولة المتاحة بغرض حل المشكلة الحالية.
لا جديد في الحلول
لم يتم إحراز تقدم ملموس في تنفيذ خطط الشركة لبيع حصص في شركاتها التابعة مثل China Evergrande New Energy، و Vehicle Group Limited و Evergrande Property Services Group Limited، حسبما أعلنت الشركة مؤخرا.
أكدت الشركة أنها لم تدخل في أي اتفاقية ملزمة قانونًا مع أي مستثمر بشأن عمليات البيع التي تستهدفها ومن غير المؤكد ما إذا كانت ستكون قادرة على إتمام أي عملية بيع من هذا القبيل أم لا.
لاتزال الشركة تسعى إلى بيع مبنى المكاتب الذي تمتلكه في هونغ كونغ ولكن دون التوصل لاتفاق أيضا مع أي من الأطراف المحتملين للشراء.
ويساهم قطاع العقارات الصيني بـ10% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب Statista عن الإحصاءات الصادرة عن عام 2019.